على الحقيقة كما حقق في الأصول في خطاب المشانهة، وما قيل: إنه لا يبعد! أن يكون الأمر بالتقوى عامّا لجميع الأمم بالنسبة إلى الكلام القديم القائم بذاته تعالى وان كان كونه عربياً عارضا بالنسبة إلى هذه الأمة لا وجه له لأن المنظور إليه أحكامه بعد النزول والا لكان النداء وجميع ما فيه من خطاب المشافهة مجازات ولا قائل به، وقيل المراد بالمخاطب من بعث إليهم النبي ﷺ لأنهم المأمورون بالاتقاء حقيقة أو العرب كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنّ دأبهم التناشد بالأرحام وان دئع بأنه تغليب أو الخطاب الأول عام والثاني خاص، وإذا كان المراد بالرجال والنساء ما سوى هؤلاء المخاطبين تغايرت المتعاطفات، وسيأتي في سورة الزمر أنه يجوز عطفه على واحدة، والمصنف رحمه الله خالفه فذهب في الناس إلى العموم، وجعل ما بعده معطوفا عليه من غير تقدير، وذكر ما سلكه مؤخراً إشارة إلى مرجوحيتة، ولم يلتفت إلى ما جنح إليه على ما قرّرناه لك، وهو زبدة ما في شروحه بناء على أن العموم هو المتبادر منه وأنّ التقدير خلاف الظاهر وما رآه محذورا لا توجه له عند. لأنّ اللازم في العطف تغاير المعطوقات لا ما صدقت عليه، كما قال في التقريب فلا تكرار في هذا إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس خلق زوجها منه ولا خلق الرجال والنساء من الأصلين جميعاً، واليه يشير قوله بيان لكيفية تولدهم منهما أو أنّ العطف بيان خلقهم، وتفصيله بأنه خلق حوّاء منه ثم بث منهما الذكور والإناث، ولما كان في البيان زيادة خلق حوّاء وتنويعهم وذكر توالدهم كان أوفى من معنى الأوّل وأزيد، فجاز عطفه وان كان بياناً لمغايرته له من وجه، كما قالوه في قوله تعالى: ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ﴾ [سورة البقرة، الآية: ٤٩] مع أنه بيان على ما حقق في المعاني، فلكل وجهة هو موليها.
واعلم أن المراد بالتقوى شكر الله على ما ألبسهم من حلل الوجود، وكذا ذكره بعنوان الربوبية وما بعده بالألوهية لا أن المراد بالتقوى الخوف فاعرفه فإنه من النفائس. قوله:) من ضلع من أضلاعه) هذا هو الصحيح كما مز، وهو من حديث رواه الشيخان، وهو: " استوصوا بالنساء خيرا فإنهق خلقن من ضلع وإن أعوج شيء من الضلع اعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج " وجعله تقريرا وتأكيداً لوحدة الأصل لأنّ خلق حوّاء منه يقتضي
ذلك، وقوله: ونشر بيان لمعنى بث، وقوله: بنين وبنات إشارة إلى أنه ليس المراد بالرجال والنساء البالغين والبالغات، بل الذكور والإناث مطلقا تجوزا، وقيل إنه في معرض! المكلفين بالتقوى، فلذا ذكر الكبار منهم، ولو قيل: إنه وجه العدول عن الحقيقة كان وجها حسنا. قوله: (واكتفى بوصف الرجال بالكثرة الخ) الاكتفاء يشعر بأن النساء موصوفة بها أيضا لكن حذف اكتفاء ونكتة الاكتفاء بكثرتهم عن كثرتهن أنه على مقتضى الحكمة لأنهم خير منهن جنسا وزيادة الخير خير، لكن لما كان لكل زوح زوجة فأكثر استدعى ذلك ال! ص ة فيهن خارجا فلا يرد عليه ما قيل بل الحكمة تقتضي أن يكون النساء أكثر، كما سيجيء في قوله: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ﴾ [سورة الورى، الآية: ٤٩] أن تقديم الإناث لكونهت لتكثير النسل، وفي الحديث من أشراط الساعة أن تقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون الخمسون امرأة فيهم قياً واحد. وهذا يشهد لما ذكره المصنف رحمه الله، وأيضا للرجل أن يزيد على واحدة، وهو زهرة لا تحتمل الفرك وتذكيره إما رعاية لصيغة فعيل أو لتأويل موصوفه بالجمع، أو لأنه صفة مصدر محذوف أي بثا كثيرا، وأما جعله صفة حين، كما قيل فتكلف سمج. قوله: (وترتيب الأمر بالتقوى الخ) يعني أنّ الاستعمال جار على أن الوصف الذي علق به الحكم علة موجبة له، أو باعثة عليه داعية إليه، وهو هنا كذلك لا! ما ذكر يدلّ على القدرة العظيمة والنعمة الجسيمة، والأوّل يوجب التقوى حذرا عن العقاب العظيم، والثاني يدعو إليها وفاء بالشكر الواجب، هذا إذا أريد بالاتقاء ما يعم المتعلق بحقوق الله والعباد، ويجوز أن يراد ما يتعلق بحفظ ما بينهم من الحقوق، وحينئذ يكون خلقهم من أصل واحد علة موجبة لاتقاء الله في الإخلال بما يجب حفظه من الحقوق التي بينهم، وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة من رعاية حال الأيتام، وصلة الأرحام، والعدل في النكاح، والإرث ونحو ذلك، بالخصوص بخلاف الأوّل


الصفحة التالية
Icon