فإنه إنما يطابقها من حيث العموم فإنّ اتقاء الله باجتناب الكفر والمعاصي وسائر القبائح يتناول رعاية حقوق الناس ويؤيده ما رواه مسلم عن جرير وضي الله عنه قال كنا صدر النهار عند رسول الله ﷺ فجاءه قوم مجتابي النمار أو العباءة متقلدي السيوف من مضر فتمعر وجهه لما رأينا بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن فقام ثم خطب فقال: " يا أيها الناس اتقوا ربكم " إلى قوله: " إنّ الله كان عليكم وقيبا " أي عالما بأحوالكم فاحذروه ولا يخفى موقع الخاتمة مما قبلها. وقوله:) أو لآن المراد الخ (فالتقوى خاصة وعلى ما قبله عامة ة
والأوّل أولى لعدم التكرار، ولذا قدّمه. وقوله على حذف مبتدا لأنه صلة لعطفه على الصلة فلا يكون إلا جملة، بخلاف نحو زبد ركب وذاهب. قوله: (أي يسأل بعضكم بعضاً الخ) اتقوا الله من وضع الظاهر موضع الضمير إشارة إلى جميع صفات الكمال ترقيا بعد وصف الربوبية فكأنه قيل اتقوه لربوبيته، وخلقه إياكم خلقاً بديعاً، ولكونه مستجمعا لصفات الكمال كلها، وتساءلون إما بمعنى يسأل بعضكم بعضا فالمفاعلة على ظاهرها، أو بمعنى تسألون كما قرئ به، وتفاعل يرد بمعنى فعل إذا تعدّد فاعله كما أشار إليه الزمخشريّ، وعلى حذف إحدى التاءين فالمحذوف الثانية لأنها التي حصل بها الثقل ويجوز أن يكون الأولى. قوله: (بالنصب عطف على محل الجار والمجروو الخ) المحل للجار والمجرور، وقيل التحقيق أنه للمجرو فقط، وقوله: (فصلوها الخ) إما بيان لمعنى اتقائها أو إشارة إلى تقدير مضاف أي قطع الأرحام. قوله: (وهو ضعيف لأنه كبعض الكلمة) يعني الضمير المجرور لشدة اتصاله كجزء الكلمة، فكما لا يجوز العطف على جزء الكلمة لا يجوز العطف عليه وهذا مذهب البصريين وقد تبع في هذا الزمخشرئ وهو تبع المبرّد، فإنه شنع على حمزة رحمه الله في هذه القراءة حتى قال: لا تحل القراءة بها، وقد تبعهم ابن عطية وزاد أنّ المعنى لا ينتظم فيها لأنّ التساؤل بالأرحام لا دخل له في الحض على تقوى الله فلا فائدة في عطفها وهو مما يغض من الفصاحة، وردّ بأنّ العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار صحيح عند الكوفيين فصيح مشهور في كلام العرب، وهذه القراءة من السبعة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، متواترة فمثل هذا جسارة لا تليق بأحد، وحمزة رحمه الله أجل قدراً مما توهموه، وقد ذهب ابن جني في الخصائص إلى تخريجها على حذف الجارّ، وأن الأصل وبالأرحام بعطف الجاز والمجرور على الجار والمجرور لأنّ هذا المكان لما اشتهر فيه ذكر الجارّ قامت شهرته مقام ذكره، وأنشدوا له شواهد كثيرة ونعم ما قال وارتضاه في الكشف، إلا أنه قال: يؤخذ من القراءة صحة العطف أو الإضمار، والثاني أقرب عند أكثر البصرية لثبوته في نحو إلله لأفعلن وقول رؤبة خير، وفي نحو ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذل ومطرد في نحو:
الإعلالة أو بدا هة سابح نهدالجزاره
وقال بعضهم: إنّ الواو للقسم على نحو اتق الله فوالله إنه مطلع عليك، وترك الفاء لأنّ الاستئناف أقوى الوصلين وهو حسن، وقد نسب إلى الوهم في قوله الإعلالة البيت فإنه مما حذف فيه المجرور لا الجار، اللهم إلا أن يقال إنه مثال للإضمار مطلقا، وبيان لأنه قد يكون في الجار وقد يكون في المجرور ولا يخفى بعده، وأما انتظام المعنى فلأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصة وهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم، فالتساؤل بالأرحام مما تقتضيه، وان أريد الأعم فلدخوله فيها، فيصير المعنى إما اتقوا الله في حقوق العباد، فإنكم تعظمون الله وتعظمونها أو تساءلون بها فلم لا تتقونها، أو اتقوا الله وراعوا حقوقه وحقوق عباده، فإنكم تساءلون الخ، فاذكروه توهم ساقط فافهم. وأما قراءة الرفع فتوجيهها ما ذكر لكن في العطف خفاء، فلعلها معترضة، وتقدير مما يتقي لقرينة اتقوا ومما يتساءل به لقرينة تساءلون، وقدره ابن عطية أهل لأن توصف وقدره ابن جني مما يجب أن تصلوه وتحتاطوا فيه، وهي قراءة ابن يزيد. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام) رواه الشيخان والأحاديث في معناها كثيرة كقوله: " إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال منه فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أنّ أصل من وصلك وأقطع من قطعك فقالت بلى " قال الراغب معناه أنه تعالى جعل بين نفسه وعباده سببا، كما كتب