على نفسه الرحمة لعباده، وأوجب عليهم في مقابلتها الشكر لما أفاضه عليهم من نعم الخلق والقوى والقدر وغير ذلك، كذلك جعل بين ذوي اللحمة سب أأوجب به على الأعلى رعاية الأدنى، وعلى الأدنى توقير الأعلى، فصار بين الرحم والرحمة مناسبة معنوية ولفظية، ولذا عظم شكر الوالدين وقرنه بشكره، فقال: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [سورة لقمان، الآية: ١٤] تنبيها على أنهما السبب الأخير في الوجود. قال الطيبيئ: والتحقيق فيه أنّ العرش منصة لتجلي صفة الرحمانية قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه، الآية: ٥] ولما كان للرحم تعلق باسم الرحمة جعلها عند العرس الذي هو منصة الرحمة. قوله: (حافظاً مطلعاً (لأنه من رقبه بمعنى حفظه كما قاله الراغب، أو اطلع ومنه المرقب للمكان العالي الذي يشرف عليه ليطلع على ما دونه. قوله: (أي إذا بلغوا الخ) قيده به لما سيأتي في قوله:
﴿فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [سورة النساء، الآية: ٦] وقوله: الذي مات أبوه هذا أصل معناه لغة لانفراده، وجمع على يتامى وان لم يكن فعيل يجمع على فعالى بل على فعال وفعلاء وفعل وفعلى، نحو كرام وكرماء ونذر ومرضي، فهو إمّا جمع يتمي جمع يتيم إلحاقا له بباب الآفات والأوجاع فإنّ فعيلا فيها يجمع على فعلى ووجه الشبه ما فيه من الذل والانكسار المؤلم، وقيل لما فهي من سوء الأدب المشبه بالآفات كما جمع أسير على أسرى ثم على أسارى بفتح الهمزة أو هو مقلوب يتائم فإن فعيلا الاسمي يجمع على فعائل كأقيل وأقائل، وقل ذلك في الصفات لكن ييم جرى مجرى الأسماء كصاحب وفارس، ولذا قلما يجري على موصوف ثم قلب، فقيل يتامى بالكسر ثم خفف بقلب الكسرة فتحة فقلبت الياء ألفا وقد جاء على الأصل في قوله:
" طلال حسن في البراق اليتائم
قوله: (والاشتقاق يقتضي وقوعه الخ (لانفراده عن أبيه، وعرف اللغة خصه بمن لم يبلغ،
وفي الكشاف من استغنى عن الكافل، ومراده البلوغ أيضا لكته خرج مخرج الغالب، والا يلزم أن يسمى من كبر مجنونا " يتيما، وقد تردد فيه بعضهم لكن جزم النحرير بعدمه، وأما قوله ﷺ " لا يتم بعد البلوغ " فليس لتعليم اللغة بل الشريعة فلا يدل على عدم الإطلاق لغة أما عدم الإطلاق شرعا وعرفا فمما لا نزاع فيه، والآية بظاهرها تقتضي إما إطلاق اليتامى على الكبار أو إثبات الأحكام للصغار، فاحتاجت إلى التوجيه، فذهب صاحب الكشاف إلى التجوّز في الإيتاء باستعماله في لازم معناه وهو تركها سالمة لأنها لا تؤتي إلا إذا كانت كذلك، أو أن اليتامى بمعناه اللغوي الأصلي فهو حقيقة، وارد على أصل اللغة، فما قيل اللفظ إذا نقل في العرف يكون في أصله مجازاً وهو هنا كذلك، فلا مقابلة بينه وبين الاتساع إلا أنّ العلاقة في الاتساع الكون، وفي هذا الإطلاق والتقييد غفلة عما تقرّر في المعاني، أو مجاز باعتبار ما كان أوثر لقرب العهد بالصغر والإشارة إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حتى كان اسم اليتيم باق بعد غير زائل، وهذا المعنى يسمى في الأصول بإشارة النص، وهو إن يساق الكلام بمعنى وبضمن معنى آخر وهذا في الكون نظير المشارفة في الأول، ومنه علم انقسامهما إلى قسمين، وفي قوله: قبل أن يزول عنهم هذا الاسم أي قبل أن يتحفق زواله، والا فقبل زواله لا يؤتى.
قوله: (أو لغير البلغ والحكم مقيد فكأنه الخ) رد هذا بأنه قال في التلويح أنّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ وقت البلوغ فهو مجاز باعتبار ما كان فإن العبرة بحال النسبة لا مجال التكلم، فالورود للبلغ على كل حال، ومثله قول الآخر تقديرا لقيد لا يغني عن التجوّز إذ الحكم على ما عبر عنه بالصفة يوجب اتصافه بالوصف حين تعلق الحكم به وحين تعلق الإيتاء له لا يكون يتيما فلا بد من تأويله بما مرّ.
(قلت) هذه المسألة وان كانت مذكورة في التلويح لكنها ليست مسلمة وقد تردّد فيها الشريف في حواشيه، والتحقيق أنّ في مثله نسبتين، نسبة بين الشرط والجزاء وهي التعليقية وهي واقعة الآن ولا تتوقف على وجودهما في الخارج، ونسبة إسنادية في كل من الطرفين وهي غير واقعة في الحال بل مستقبلة، والمقصود الأولى وفي زمان تلك النسبة كانوا يتامى حقيقة ألا تراهم قالوا في نحو عصرت هذا الخل في السنة الماضية أنه حقيقة مع أنه في حال العصر عصير لا خل لأنّ المقصود النسبة التي هي تبعية فيما بين اسم الإشارة وتابعه لا النسبة الإيقاعية بينه وبين العصير، كما حققه بعض الفضلاء، وقد مر تحقيقه في أوائل البقرة فتأمله فإنه من معارك الإفهام


الصفحة التالية
Icon