والمصدر بمعنى المفعول أي مسؤولكم، وقوله من كل شيء إشارة إلى أنّ التنولن عوض عن المضاف، وقوله سألتموه بلسان الحال هو ما يحتاج إليه، وهو إشارة إلى المعنى السابق، وقوله ويجوز أي على هذه القراءة أن تكون ما نافية إشارة إلى أنه لا يجوز على الإضافة، وعبر بالجواز إشارة إلى مرجوحيته لأنه خلاف الظاهر، ووجهه أنها تخالف القراءة الأولى، والأصل توافق القراءتين، وان فهم منها إيتاء ما سألتموه بطريق الأولى. قوله: (لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلاَ عن أفرادها الخ) أوّل الإحصاء بالحصر، وأصل معناه العد بالحصا كما كان عادة العرب ولذا قال الأعشى:
ولست باكثرمنهم حصى وان! ما العزة للكاثر
فاستعمل لمطلق العد لئلا يتنافى الشرط، والجزاء إذ أثبت في الشرط العدّ، ونفي في الجزاء، ولو تأوّل إن تعدوا بمعنى أن تريدوا العد اندفع السؤال أيضا، وقال بعض الفضلاء المعنى أن تشرعوا في عدّ أفراد نعمة من نعمه تعالى لا تطيقوا عدها، وإنما أتى بأن، وعدم العد مقطوع به نظراً إلى توهم أنه يطاق، وفيه مخالفة لكلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو أدق منه إذ فيه إشارة إلمى أنّ النعمة الواحدة لا يمكن عد تفاصيلها فتدبر. قوله: (وفيه دليل على أنّ المفرد الخ) أورد عليه أنّ الاستغراق ليس ماخوذاً من الإضافة بل من الحكم بعدم العد والإحصاء، وفيه نظر لأنّ الحكم المذكور يقتضي صحة إرادته منه ولولاه تنافيا. قوله تعالى: ( ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ ) قيل إنه تعليل لعدم تناهي النعم، ولذا أتى بصيغتي المبالغة فيه، والظاهر أنه جواب سؤال مقدّر، وتقديره لم لم يراعوا حقها أو لم حرمها بعضهم، ولذا فسره المصنف رحمه الله تعالى بما ذكره لأنه المناسب لما قبله، وقوله يعرضها أي النفس للحرمان بترك الشكر وقوله يجمع، ويمنع أي يجمع المال، ويمنعه من مستحقه فذاك كالحد جامع مانع. قوله: (بلد مكة) فتعريفه للعهد، وقوله ذا أمن إشارة إلى أنّ الآمن أهل البلدة لا هي
فجعله من باب النسب كلابن وتامر، ويجوز أن يكون الإسناد فيه مجازيا من إسناد ما للحالّ إلى المحل كنهر جار. قوله: (والفرق بينه وبين قوله ﴿اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾، الضى) جواب سؤال مقدر، وهو أنه لم عرّف البلد هنا، ونكر كي البقرة، وكي الكشاف أنه سال! في الأوّل أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها، ولا يخافون، وفي الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدّها من الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا، وتحقيقه إنك إذا قلت اجعل هذا خاتما حسناً فقد أشرت إلى المادّة أن يسبك منها خاتم حسن، وإذا قلت اصل الخاتم حسناً فقد فصدت الحسن دون الخاتمية، وذلك لأنّ محط الفائدة هو المفعول الثاني لأنه بمنزلة الخبر، وفيه أنّ الزمخشريّ قدره في البقرة هذا البلد بلداً آمنا فلا فرق بينهما، وأجيب بأنّ المسؤول البلدية مع الأمن وما قدره إشارة إلى الحاضر في الذهن لا في الخارج بخلاف ما نحن فيه، واستشكل هذا التفسير بأنه يقتضي أن يكون سؤال الب! لدية سابقاً على االسؤال المحكي في هذه السورة، وأنه يلزم أن تك! ون الدعوة الأولى غير مستجابة، ودفع بأدط المسؤول أولاً صلوحه للسكنى بأن يؤمن فيه في أكثر الأحوال كما هو شأن البلاد، وثانياً إزالة! وف عرض كما يعترض البلاد أحياناً أو يحمل على الاستدامة أو بتنزيله منزلة العاري عنه مبالغة أو أحدهما من الدنيا، والآخر من الآخرة أو يقال الدعاء الثأني صدر قبل استجابه الأوّل، وذكر بهذه العبارة إيماء إلى أن المسؤول الحقيقي هو الأمن، والبلدية توطئة لا أنه بعد الاستجابة عراه خوف، وقد بني الكلام على الترقي فطلب أولاً أن يكون بلداً آمناً من جملة البلاد التي هي كذلك، ثم لتأكيد الطلب جعله مخوفا حقيقة فطلب الأمن لأنّ دعاء! المضطر أقرب إلى الإجابة، ولذا ذيله بقوله: ﴿إِنِّي أَسْكَنتُ﴾ [سورة إبراهيم، الآية: ٣٧] الخ وهذا مبنيّ على تعدد السؤال، وهو الظاهر من تغاير التعبير في المحلين، وان قيل باتحادهما لججعل الإشارة في هذه السورة إلى ما في الذهن بعد تحقق البلدية أو قبلها، وجعل هذا بلدا آمناً مثل كن رجلاً صالحا قيل، وهو الملائم لقوله: ﴿إِنِّي أَسْكَنتُ﴾ [سورة إبراهيم، الآية: ٣٧] الخ إلا أنه لا يخفى ما فيه، والحاصل أنه دعا أولاً بأن يكون بلداً وتكون آمنة، - وكانياً دعا للبلد بالأمن لتحقق بلديتها ويشهد له تنكيرها، وتعريفها.


الصفحة التالية
Icon