قوله: (بعدتي وإياهم الخ) أصل التخنب أن يكون الرجل في جافب غير ما عليه غيره، ثم استعمل بمعنى البعد وفيه ثلاث لغات جنبه، وأجنبه وجنبه، وهي بمعنى، وقوله وقرئ، وأجنبي أي بقطع الهمزة بوزن أكرمني والمراد طلب الثبات، والدوام على ذلك، وقوله فيقولون جنبني أي من التفعيل، وقوله وفيه دليل الخ لأنه لو كان بغير ذلك أي بأمر طبيعيّ لم يفد طلبه. قوله: (وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذزيته) المراد
بالأحفاد أولاد الأولاد حتى لا يكون من نسله من عبدها كما قاله ابن عيينة لأنّ الواقع بخلافه فقوله، وجميع ذرّيته عطف تفسيريّ، وإنما كان كذلك لأنّ المتبادر من بنيه من كان من صلبه فلا يتوهم أنّ الله لم يستجب دعاءه حتى يجاب بانّ المراد من كان منهم في زمنه أو أنّ دعاءه استجيب في بعض دون بعض، ولا نقص! فيه. قوله: (وزعم ابن عيينة رحمه الله تعالى أنّ أولاد إسماعيل عليه الصلاة والسلام لم يعبدوا الصنا محتجاً به) أي بهذا النص وقيل عليه إنّ ظاهر الآية أنه أراد بنيه من غير واسطة ولو سلم فأين دليل الإجابة حتى يستدل بقوله: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ﴾ مع أنّ قوله: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فيه دليل على أنّ فيهم من هو كذلك، وكذلك قوله: ﴿وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ﴾ [سورة البفرة، الآية: ٢٦ ا] مع أنه تعالى حكى عن قريش عبادتهم الأصنام في مواضع جمة فهو يدل على أنه المراد من كفرهم لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً فلا يرد عليه أنّ كفرهم لا يستلزم عبادة الأصنام مع أنه في الواقع كذلك. قوله: (ويسمونها الدوار) هو بضم الدال، وفتحها وتخفيف الواو، وتشديدها قال ابن الأنباري رحمه الله تعالى هي حجارة كانوا يدورون حولها تشبيهاً بالطائفين بالكعبة شرفها الله، ولذا كره الزمخشري أن يقال دار بالبيت بل يقال طاف به، وهو من الآداب فلا ينافي وروده في بعض الآثار كما قاله النوويّ رحمه الله تعالى. قوله: (باعتبار السببية) يعني أنّ إسناد الأضلال إلى الأصنام مجازيّ، والمضل في الحقيقة هو الله، وقيل إنهم ضلوا بانفسهم، وليس كل مجاز له حقيقة، وفيه نظر، وقوله أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين يعني أنّ من تبعيضية على التشبيه أي كبعضي في عدم الانفكاك، ويجوز حملها على الاتصالية، ولا ينافيه التصريح بالبعضية كقوله: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ﴾ وبه جزم الطيبي رحمه الله تعالى. قوله: (وفيه دليل على أن كل ذشب الخ) أي يجوز عقلا كما تقرّر في الأصول أن يغفر كل ذنب حتى الشرك لكن الدليل السمعي منع من مغفرة الكفر لقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [سورة النساء، الآية: ٤٨] الآية، وقيل إنّ معنى غفور بستره عليه، ورحيم بعدم معاجلته بالعذاب كقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ [سورة الرعد، الآية: ٦] فلا دليل فيه على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى مع أنه لم يدر أنه بالترديد الذي ذكره قد هدم مبنى الدلالة، ولا يدفعه أنّ الدلالة في
احتمال أن تكون المغفرة ابتداء كما قيل، وقيل إنّ أو للتنويع، والتعميم لا للترديد يعني أنه مطلق يتناول الوجهين والعصيان ففيه دليل على جواز مغفرة الشرك لكن الوعيد دلّ على عدم وقوعه، وهذا هو المناسب للمقام، وقد مرّ تحقيقه في آخر المائدة، وقال النوويّ في شرح مسلم أنّ مغفرة الشرك كانت في الشرائع المتقدمة جائزة في أممهم، وإنما امتنعت في شرعنا، ولا ينافيه كلام المصنف رحمه الله تعالى لأنّ الوعيد جاء في القرآن ووجه الدلالة قوله غفور رحيم لأنه في حق الكفرة رجاء منه. قوله: (أي بعض ذريتي أو زية من ذزيتي الخ) أي من بمعنى بعض، وهي في تأويل المفعول به أو المفعول به محذوف، ومن ذريتي صفته سدت مسدّه ومن يحتمل التبعيض، والتبيين، وقوله وهم إسماعيل ومن ولد منه على الوجهين، وقوله ولد منه عممه لقوله ليقيموا الخ، والإسكان له حقيقة ولأولاده مجاز فهو من عموم المجاز، وقوله فإنها حجرية أي كثيرة الحجارة، وقليلة المياه، وهذا باعتبار الأكثر الأغلب فيها، وقوله غير ذي زرع كقوله: ﴿قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ يفيد المبالغة في أنه لا يوجد فيه ذلك لأنّ معناه ليس صالحا للزرع، وليس صالحاً للعوج فلذا عدل عن مزروع، وأعوج مع أنه أخصر، وهذا مما ينبغي التنبه له، وأشار إليه في الكشاف، وشروحه. قوله: (الذي حرّمت التعرّض له الخ) قال الزمخشري وقيل للبيت المحرم لأنّ الله حرّم التعرض له، والتهاون به وجعل ما حوله حرما لمكانه أو لأنه لم يزل ممنعا عزيزاً يهابه كل جبار كالشيء المحزم الذي حقه أن يجتنب


الصفحة التالية
Icon