متعلقة بتهوي لا يظهر لتأخيره، ولتوسيط الجار فائدة، واعلم أنه قال في الإيضاح أنه قد يكون القصد إلى الابتداء دون أن يقصد انتهاء مخصوص إذا كان المعنى لا يقتضي إلا المبتدأ كأعوذ بالله من الشيطان وزيد أفضل من عمرو، وقد قيل إنّ جميع معاني من دائرة على الابتداء، والتبعيض هنا لا يظهر فيه فائدة كما في قوله: ﴿وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [سورة مريم، الآية: ٤] فإن كون قلب الشخص، وعظمه بعض منه معنى مكشوف غير مقصود بالإفادة فلذا جعلت للابتداء، والظرف مستقر للتفخيم كأنّ ميل القلب نشأ من جملته مع أنّ ميل جملة كل شخص من جهة قلبه كما أنّ سقم قلب العاشق نشأ منه مع أنه إذا صلح صلح البدن كله، والى هذا نحل المحققون من شراح الكشاف لكنه معنى غامض فتدبره، وقوله أفئدة ناس نكرة إشارة إلى أنّ تعريفه للجنس فهو في معنى نكرة، والمعين لذلك تنكير أفئدة. قوله: (وقرأ هشام أفئدة بخلف عنه) بضم الخاء، وسكون اللام أي باختلاف الرواية عنه، وقراءة العامة أفئدة بالهمزة المكسورة جمع فؤاد كغراب، وأغربة وهي ظاهرة، وقرأ هشام عن ابن عامر بياء بعد الهمزة فقيل إنها إشباع كقوله:
أعوذ بالله من العقراب الشائلات عقد الأذناب
فقال بعضهم أنّ الإشباع مخصوص بضرورة الشعر فكيف يقرأ به في أفصح الكلام، وزعم أنه قرأ بتسهيل الهمزة بين بين فظنها الراوي زيادة ياء بعد الهمزة، وليس بشيء فإنّ الرواية أجل من هذا. قوله: (وقرئ آفدة) أي بهمزة ممدودة بعدها فاء مكسورة بوزن ضاربة، وهي محتملة أن تكون قدمت فيها الهمزة على الفاء فاجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة فقلبت ألفاً
فوزنها أعفلة كما قيل في أدور جمع دار قلبت فيه الواو المضمومة همزة، ثم قدمت وقلبت ألفاً فصار آدرا أو هي اسم فاعل من أفد يأفد بمعنى قرب، ودنا ويكون بمعنى عجل، وهو صفة جسماعة أي جماعة آفدة، وقوله أفدت الرحلة أي الارتحال، وعجلت مبني للمجهول. قوله: (وأفدة) أي بفتح الهمزة من غير مد، وكسر الفاء بعدها دال، وهو إمّا صفة من أفد بوزن خشنة فيكون بمعنى آفدة في القراءة الأخرى أو أصله أفئدة فنقلت حركة الهمزة لما قبلها، ثم طرحت. قوله: (وإن كان الوجه فيه إخراجها بين بين الخ) تبع فيه الزمخشريّ، وقد قيل إنه مخالف لأهل الصرف والقرا آت أما الأوّل فلأنهم قالوا إذا تحركت الهمزة بعد ساكن صحيح تبقى أو تنقل حركتها إلى ما قبلها وتحذف، ولا يجوز جعلها بين بين لما فيه من شبه التقاء الساكنين، وأمّا الثاني فلقوله في النشر الهمزة المتحركة بعد حرف صحيح ساكن كمسؤولاً، وأفثدة وقرآن، وظمآن فيها وجه واحد، وهو النقل وحكي فيه وجه ثان، وهو بين بين، وهو ضمعيف جداً وكذا قاله غيره. قوله: (تسرع إليهم شوتاً وودادا الخ) تهوي هو المفعول الثاني لأجعل، ومعناه تسرع، وتعديته باللام، وإنما عدى لإلى لتضمته معنى تميل، وهو معنى النزوع أي الميل، وهو متعد وفيه نظر لأنّ مصدره النزاع قال الصولي نزعت عن الأمر نزوعاً إذا كففت ونزعت الشيء نزعا إذا أخرجته، ونزعت إلى أهلي نزاعا إذا اشتقت وملت، ولذا عيب على أبي نواس قوله:
وإذانزعت عن الغواية فليكن لله ذاك النزع لا للناس
وقوله مع سكناهم الخ إشارة إلى أنّ المقصود جلبها من غير بلادهم.
تنبيه: في هذه الآية بلاغة عجيبة حيث جعل القلوب نفسها تهوي، وفي معناه قلت:
كل امرئ يبذل إنعامه يمشي إليه القلب قبل القدم
قوله: (تعلم سرنا كما تعلم أعلتنا) يشير إلى أنّ ما مصدرية وأنّ ذكر العلن بعد علم السر
ليس بمستدرك لأنّ المراد استواؤهما في علمه تعالى كما مرّ تحقيقه غير مرّة، وهذا معنى قول الزمخشري تعلم السر كما تعلم العلن علما لا تفاوت فيه لأنّ غيبا من الغيوب لا يحجب عنك
لا خلاف بينهما كما توهم، وقوله والمعنى أي المقصود من فحوى النظم هذا، وقوله مناصلة أعلم لا ناقد نغفل، وقد لا تعرف المصلحة، وكونه مطلعاً على أحوالنا يقتضي عدم الحاجة إلى الطلب لأنّ ظهور الحال يغني عن السؤال كما قال السهروردي:
ويمنعني الشكوى إلى الناس أنني عليل ومن أشكو إليه عليل


الصفحة التالية
Icon