جمع مثل بمعنى الشبيه، وهو تشبيه للحال بالحال، والمقصود تشبيه ذويها بذويها، وقوله أو صفات الخ فالأمثال جمع مثل بمعنى الصفة الغريبة العجيبة كما مرّ وقوله فعلوا، وفعل بهم أي في الدنيا. قوله: (المستفرغ قيه جهدهم (يقال استفرغ جهده إذا بذل طاقته، ومقدوره فهو استعارة، ومكرهم منصوب على أنه مفعول مطلق لأنه لازم فدلالته على المبالغة لقوله: ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ﴾ الخ لا لأن إضافة المصدر تفيد العموم أي أظهروا كل مكر لهم أو لأنّ إضافة كلا إضافته، وأصل التنكير لإفادة أنهم معروفون بذلك وقوله لإبطال الحق
لأنّ المكر لا يكون في الخبر. قوله: (فهو مجارّيهم) لأنّ ذكر علم الله، ونحوه من كتابة الأفعال، وغيرها يكنى به عن المجازاة، وقوله ما يمكرهم فهو مصدر مضاف للمفعول لكن أبو حيان رحمه الله تعالى اعترض عليه باًن مكر لازم لم يسمع متعدّيا، وقد صرّح أهل اللغة بأنه إنما يتعدى بالباء بخلاف الكيد فإنه متعد بنفسه، وقد يقال إنه متجوّز به أو مضمن معنى الكيد أو الجزاء، واطلاق المكر على الله حينئذ إمّا مشاكلة أو استعارة لجزائهم من حيث لا يشعرون، وقوله وابطالاً له لم يجعله وجها آخر لإمكان إرادتهما معا فتأمّل. قوله: (مسوّي لإزالة الجبال) وفي نسخة، ومعداً لذلك اعلم أنّ العامّة قرؤوا بكسر اللام، ونصب تزول، والكسائيّ بفتحها، ورفع تزول فالكسر إمّا لأنّ أن نافية واللام لام الجحود الواقعة بعد كان المنفية، وكان إمّا تامّة، والمعنى تحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع التي هي كالجبال في الثبات، والقوّة ويؤيده قراءة ما كان مكرهم أو ناقصة وخبرها محذوف أو الجارّ، والمجرور على الخلاف فيه أو أن مخففة من الثقيلة، وقيل إنها شرطية وجوابها محذوف أي إن كان مكرهم معدّاً لإزالة الجبال فإنه مجازيهم عليه ومبطله، وأمّا الفتح ففيه وجهان الأوّل أنّ إن مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، والثاني أنها نافية، واللام بمعنى إلا، وقرئ كاد بالدال، وقرئ لتزول بفتح اللامين، وخرجت على لغة جاءت في فتح لام كي هذا حاصل ما ذكره المعربون هنا فقوله مسوّي اسم مفعول من سواه بمعنى صنعه، وأصل معناه جعله سواء إشارة إلى أنّ كان ناقصة محذوفة الخبر، والجاز، والمجرور متعلق به، وقد مرّ جواز كونها تامّة، والظاهر أنّ أن عنده شرطية وصلية على الاختلاف في واوها وتقدير جوابها، وغيره ذهب إلى أنها مخففة من الثقيلة، والمعنى أنه عظم مكرهم، واشتد فضرب زوال! الجبال منه مثلاً لشدته أي، وان كان مكرهم معداً لذلك كما في الكشاف، وفال ابن عطية رحمه الله تعالى يحتمل عندي أن يكون معنى هذه القراءة تعظيم مكرهم أي وان كان شديداً يفعل لتذهب به عظام الأمور فإن عندهما مخففة من الثقيلة كما في الدرّ المصون، واللام مؤكدة للنفي فهي لام الجحود كما أشار إليه بالآية المذكورة، وقوله ونحو. أي من الشرائع، والتوحيد وزوال الجبال مثل أي استعارة تمثيلية تنبيه على أنه في الرسوخ، والثبات كالجبال الراسية، وعلى الأوّل الجبال بمعناها المعروف فالجبال استعارة، وقوله وقرأ الكسائيّ أي بفتح اللام الأولى، ورفع الثانية فالجبال على حقيقتها، وقوله الفاصلة أي الفارقة بين أن المخففة، والنافية كما بين في النحو. قوله: (ومعناه
تعظيم مكرهم الخ) كما في الشرطية، وقد مرّ تقريره وبقية كلامه ظاهر مما قرّرناه لك فإن قلت كونها نافية ينافي قراءة الكسائيّ المثبتة لدلالتها على عظم مكرهم، ودلالة كونها نافية على حقارته قلت أجيب عنه بأنّ الجبال في قراءة الكسائيّ يشار بها إلى ما جاء به النبيّ ﷺ من الحق وفي غيره على حقيقتها فلا تعارض إذ لم يتوارد على محل واحد نفياً، وإثباتا ورد بأنه إذا جعل آيات الله شبيهة بالجبال في الثبات كانت مثلها بل أدون منها فإذا نفى إزالته إياها انتفى إزالته جبال الدنيا بالطريق الأولى فتنافي إزالته إياها الثابتة بقراءة الكسائيّ فالإشكال باق بحاله (قك) هذا غير وارد لأنّ المشبه لا يلزم أن يكون أدون من المشبه به في وجه الشبه بل قد يكون بخلافه لكون المشبه به أعرق بوجه الشبه، وهنا كذلك لأنّ ثبوت الجبل يعرفه الغبيّ، والذكيّ بخلاف الحق، ولو سلم فقد يقدر على إزالة الأقوى دون الآخر لمانع كالشجاع يقدر على قتل أسد، ولا يقدر على قتل رجل مشبه به لامتناعه


الصفحة التالية
Icon