عن ذلك علواً كبيرا.
قوله: (لا انحراف عنه) أي لا يجوز العدول عنه إلى غيره، وجعل الإشارة إلى ما تضمنه، وهو تخلصهم منه، وأنه مما التزمه تكرّما بوعده، وهذا على قراءة فتح اللام أنسب، وقوله أو الإخلاص بالجرّ معطوف على ما تضمنه، وهو على قراءة الكسر، وقوله أنه طريق عليّ الخ هذا تفسير آخر على جعل الإشارة إلى الإخلاص لقوله عليّ، وهو تمثيل كما مرّ، وليست على فيه بمعنى إلى، وهو متعلق بيمر مقدّراً وطريق متضمن له فيتعلق به، وقوله من غير اعوجاج تفسير لمستقيم، وضلال عطف تفسير على اعوجاج. قوله: (تصديق لإبليس الخ) فهو كالتقرير لقوله إلا عبادك منهم المخلصين، ولذا لم يعطف على ما قبله، وقوله وتغيير الوضع أي التعبير بعبارة أخرى بجعل المستثنى مستثنى منه، وتقديم عبادة المشزفين بالإضافة في الذكر، ولا تراد الإضافة لسبقها، وان كان بين الإضافتين فرق، والتعظيم من جعلهم متبوعين محكوما عليهم وعبادي للجنس فإذا أخرج منهم الغاوون بقي المخلصون، وكان يحتمل أن تكون الإضافة للعهد لكن يكون الاستثناء منقطعاً، وظاهر كلامه الآتي أنه على هذا الوجه يكون متصلاً، وحمل قوله يكون الاستثناء منقطعا على أنه متعين الانقطاع خلاف الظاهر، وقال في المغني: المراد بالعباد المخلصون، والاستثناء منقطع بدليل سقوطه في سورة الإسراء. توله: (ولأن المقصود) أي من الكلام فلذا صدر بقوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان مؤكدا بأن بخلاف الأوّل فإنّ المقصود فيه فعل الشيطان، وقوله مخالب الشيطان أي كيده، ومكره فهو استعارة. قوله:) أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطانا) أي تسلطاً، وقهراً فإنّ غاية قدرته أن يغرّهم ولا يقدر على جبرهم لاتباعه كما في الآية المذكورة، وإنما جعله إيهاما لأنّ استثناء المخلصين لإخلاصهم يقتضي أنّ من لا إخلاص له تحت تصرف غوايته،
وتفسير أغوينهم السابق لا ينافي هذا الإيهام لأنه بحسب ظاهر الكلام فهو يؤيد كونه إيهاما غير محقق، والسلطان المنفي هنا غير المثبت له فلا تنافي أيضا، وقوله فانّ منتهى تزيينه، وفي نسخة منة، وهو بضم الميم بمعنى قوّته، وقدرته. قوله: (وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً (بخلافه على الوجه الأوّل فإنه متصل كما سمعته، وتعين انقطاعه لعدم دخولهم في الحكم إذ المعنى أنّ من اتبعك ليس لك عليهم سلطان بل هم أطاعوك في الإغواء لا غير، ولا يضرّ دخولهم في العباد لأنّ المعتبر في الاتصال، والانقطاع الحكم. قوله: (وعلى الآوّل يدفع قول من شرط أن يكون المستثنى أقل من الباقي الخ الأنه جعل الغاوين مستثنى هنا فيكونون أقل، وقد كانوا مستثنى منهم في قوله إلا عبادك فيكونون أكثر، ويتناقض الكلام فيهما أي يستلزم أمرين متنافيين، وهو ظاهر وخصه بالأوّل لأنّ من قال به إنما قاله في الاستثناء المتصل لا المنقطع لأنه لا إخراج فيه، وصاحب هذا المذهب أبو بكر الباقلاني من الأصوليين، وقيل إن كان المستثنى منه عدداً صريحاً يمتنع فيه استثناء الأكبر، والنصف مثله في الخلاف، وان كان غير صريح لا يمتنعان، واستدلوا عليه في غير العدد بهذه الآية، وتفصيله في الأصول وقد قيل عليه أنّ التصديق في صريح الاستثناء لا ينافي التكذيب في جعل الإخلاص علة للخلاص على ما يشير إليه كلامه فانّ الصبيان، والمجانين خلصوا من إغوائه مع فقد هذه العلة، والظاهر أنّ من مات قبل أن يكلف من العباد أكثر من المكلفين خصوصاً إذا انضم إليهم المخلصون فظهر لتغيير الوضع فائدة أخرى على أنّ الكثرة الادّعائية تكفي في صحة شرطهم، والمخلصون كثيرون، وان قلوا والغاون بالعكس كما في آخر قسم الاستدلال من المفتاح، ولذا لا تقول لفلان عليّ ألف إلا تسعمائة، وتسعين إلا وأنت تنزل ذلك الواحد منزلة الألف بجهة من الجهات الخطابية أن مع أنّ السكاكي يشترط كون المستثنى أقل من الباقي، وما ذكره من حديث الادّعاء يرفع الخلاف، وليس بمسلم عند المعترض فإنّ ظاهر كلام الأصوليين ينافيه. قوله:
(أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرا) اشترط النحويون في مجيء الحال من المضاف إليه كون المضاف جزأه أو كجزئه أو أن يكون مما يعمل عمل الفعل ليتحد عامل الحال، وصاحبها حقيقة أو حكماً فإن كان الموعد على الحالية مصدرا ميمياً فقد وجد الشرط لكنه يقدّر قبله مضاف لأنّ جهنم ليست عين الموعد بل محله فيقدر محل وعدهم أو مكانه فإذا كان اسم مكان لم يحتج إلى تقدير لكنه لا يوجد شرط


الصفحة التالية
Icon