الحال، ولا يمكن عمل المضاف لأنّ اسم المكان لا يعمل عمل فعله كما حقق في النحو فلذا جعل العامل معنى الإضافة، وهو
الاختصاص على القول بأنه هو الجارّ للمضاف، وهذا غير صحيح عند المحققين من أهل العربية لأنّ الإضافة من المعاني لا تنصب الحال، وفد سبق فيه تفصيل، والمصنف رحمه الله تبع في هذا أبا البقاء، ولو تركه كان أحسن، وفي جعل جهنم موعدا لهم تهكم، واستعارة فكأنهم كانوا على ميعاد. قوله: (يدخلون فيها لكثرتهم) ظاهره أنه على تعدد الأبواب دون الطبقات، ولا محذور فيه إذ لا ينافي تعدد الطبقات إذ المراد بيان كثرة الداخلين فيها فلا وجه لخلط التفسير الثاني بالأوّل، ولا حاجة إليه، والحكمة في تعدّدها سرعة تعذيبهم، وعدم تأخير عذاب بعض منهم كما أن تعدّد أبواب الجنة لسرعة تنعمهم، وعدم انتظارهم. قوله: (أو طبقات) وهو المشهور المأثور، ويدل عليه أفراد كل فرقة بباب فإنه يدل على تمايز مقرّهم، وقوله وهي جهنم الخ في ترتيبها وتعيين أهلها اختلاف في الروايات، وفي الدر المنثور أنه خرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى هذا ينبني التغليب الآتي في سورة تبارك لكن قال الإمام السهيلي في كتاب الأعلام وقع في كتب الرقائق أسماء هذه الأبواب، ولم ترد في أثر صحيح، وظاهر القرآن، والحديث يدل على أنها أوصاف النار نحو السعير والجحيم، والحطمة والهاوية، ومنها ما هو علم للنار كلها نحو جهنم، وسقر ولظى فلذا أضربنا عن ذكرها. قوله: (ولعل تخصيص العدد الخ) أي حكمة ذلك انحصار مجامع المهلكات الموجبات لدخولها في الركون، والميل إلى زخارف الدنيا، ولذاتها المدركة بالحواس الخمس، واتباع القوّة الشهوانية والغضبية فصارت سبعة أو أصول الفرق الداخلين فيها سبعة، وهي المذكورة في هذه الآية، وقوله أفرز لها أي فصل، وميز يقال أفرزت الشيء عن الشيء إذا ميزته، وأمّ قول أبي نواس في وصف ما في الرياض:
وكأنها البرك الملاء يحفها أنواع ذاك الروض بالزهر
بسط من الديباج بيض فروزت أطرافها بفرا وزخضر
فقيل إنه معرّب برواز، وقيل إنه فعلال من فرزت الشيء إذا عزلته فيكون عربياً، وقوله
والثاني في ترتيب ما بعد الفرقة الأولى اختلاف في الرواية، وجعل المنافقين في الدرك الأسفل لأنّ حالهم أشد من الكفار كما مر في البقرة وقوله جزء بالتثقيل أي بزاي مضمومة بعدها همزة، والتخفيف تسكينها، وقوله ثم الوقف عليه بالتشديد لأنه لعة كما بين في النحو. قوله: (ومنهم حال منه) أي من جزء، وجاء من النكرة لتقدمه، ووصفها والظرف المراد به الجارّ، والمجرور الواقع خبرا، ولم يجعله صفة باب لأنه يقتضي أن يقال منها، وتنزيلها منزلة العقلاء لا وجه له هنا، ولذا فسر المصنف رحمه الله الضمير بالاتباع أي أتباع الشيطان الذين أغواهم، وقوله لأنّ الصفة أي مقسوم لأنه صفة جزء، ولو كان حالاً من ضميره عمل في الحال لأنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها. قوله: (من أتباعه في الكفر والفواحش فإنّ غيرها مكفرة) الجارّ، والمجرور متعلق بالمتقين والاتباع مصدر من الافتعال، وفي الكفر متعلق به، وأنث خبر غير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه فالمراد بالفواحش الكبائر، وغيرها الصغائر لأنها تكفر باجتناب الكبائر، وتبع في هذا التفسير الزمخشريّ، ولم يحمله على المتقين عن الكفر فقط، ولم يلتفت إلى اعتراض الإمام عليه، وغيره بأنه على مذهب المعتزلة في تخليد أصحاب الكبائر، وتفسيرها بما ذكر مخالف لتفسير الجمهور المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، والمتقي من اتصف بتقوى واحدة، ولا يلزم اتصافه بجميع أنواعها كالضارب لا يفهم منه فعل جميع أنواع الضرب لأنّ السياق يدل على أن المتقين هم المخلصون السابق ذكرهم في قوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [سورة الحجر، الآية: ٤٢] وهو معنى التقوى شرعا، وأمّ إخراج العصاة من النار فثابت بنصوص أخر، وكذا إدخال التائبين الجنة بل غيرهم كما هو مذهبنا فإن قلت كيف قلت إنّ غيرها من الصغائر يكفر حتى لا يكون صاحبها من الأجزاء المقسومة للنار إذا اجتنبت الكبائر، وقد قال أهل الكلام أنه يجوز العقاب على الصغائر، وأن اجتنبت الكبائر، وما وجه التوفيق قلت هو وارد في الحديث الصحيح، وهو غني عن التوفيق لأنّ كلام أهل الكلام في تجويزه لتجويز عقاب المطيع، وما في الحديث يدل على أنه لا يقع التفضل من الله إلا بعفوه، ولا حاجة إلى


الصفحة التالية
Icon