أن المحذوف نون الوقاية مع أن المذكور هو مذهب سيبويه رحمه الله تعالى، وكونه خلاف القياس لأن نون الرفع حذفت مع الجازم معارض بما مز، وأما احتمال هذه القراءة لعدم الحذف بأن يكون اكتفى بكسر نون الجمع من أوّل الأمر فخلاف المنقول في كتب النحو، والتصريف وان ذهب إليه بعضهم، وأجاب به عما أورد على قراءة نافع بحذف الياء من أنّ حذف الحرفين لا يجوز. قوله:) ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء) اعترض أبو حاتم على هذه القراءة بانّ مثله لا يكون إلا في الشعر وتجرأ على غلطه فيها وقال وكسر نون الرفع قبيح، وهذا مما لا يلتفت إليه لأنّ حذف الياء في مثله اجتزاء بالكسرة كثير فصيح، وقد قرئ به في مواضع عديدة. قوله: (بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه الخ) على الوجهين الأخيرين اقتصر الزمخشري، والفرق بينهما أن الباء إمّا للتعدية كما في بشرته بقدوم زيد أو للآلة كضربه بالسوط فهي على الأوّلين للتعدية إلا أن الأوّل مبنيّ على أن الاستفهام للتعجب
أي المبشر به أمر لا بدّ من وقوعه فكيف يتعجب منه، والثاني على أنه للإنكار أي أنّ المبشر به أمر محقق متيقن فكيف ينكر والثالث على أنّ الباء للألة أي بطريق، وأمر من له الأمر القادر على خلق الولد من غير أبوين فكيف بإيجاده من شيخ، وعجوز فانيين، وقيل إنّ الثاني ناظر إلى إطلاق الحق على الحكم المطابق بفتح الباء للواقع فيكون المبشر به هو ذلك الحكم وعلى الأوّل الغلام نفسه، وعلى الثالث بم تبشرون سؤال عن الوجه والطريقة يعني بأي طريقة تبشرونني به، ولا طريق في العادة فالباء للملابسة لا صلة أي تبشرونني ملتبسين بأيّ طريقة. قوله: (باعتباو العادة دون القدرة الخ) أي تعجبه مته لكونه مخالفا للعادة لا لقدرة الله تعالى إذ مقام النبوّة أجل من توهم مثله فمعنى قولهم لا تكن من القانطين الآيسين من خرق العادة لك فإنّ ظهور الخوارق على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كثير حتى يعد بالنسبة إليهم غير مخالف للعادة فلذا أجابهم باعترافه بذلك، والتصريح برحمة الله تعالى في أحسن مواقعه، وأنّ سؤاله عنه للاستكشاف، وتعجبه جريا على عادة الناس لا بالقياس إليه، وقوله المخطئون طريق المعرفة الخ. يعني الكفار لا الأعم كما في الكشاف. قوله: (وقرأ أبو عمرو والكسائتي يقنط بالكسر الخ) والباقون بالفتح، وهو مختارة في النظم، والضئم شاذ وهي قراءة الأشهب كما قاله ابن جنيّ رحمه الله تعالى ففيه ثلاث قراآت، وماضيه محرك بحركات ثلاث أيضاً وورد من باب نصر، وضرب وفرح إلا أنه لم يقرأ إلا بواحدة منها، وهي الفتح في قوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ [سورة الشورى، الآية: ٢٨] فقوله وماضيهما بالفتح أي في القراءة المأثورة إذ هو في اللغة مثلث كما سمعتة. قوله: (كما قال تعالى: ﴿لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ ) تقدّم الكلام على هذه الآية، وهي مسألة مفصلة في الأصلين حاصلها أنّ اليأس من رحمة الله تعالى استعظاما للذنب، والأمن من مكره بالاسترسال في المعاصي اتكالاً على عفو الله اختلفوا فيهما فقال الحنفية أنهما كفر بناء على ظاهر الآية، وقال الشافعية أنهما من الكبائر لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى ضنه الصحيح أنه ﷺ قال: " من الكبائر الإشراك بالله واليأس من روج الله والأمن من مكر الله " والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقال ابن أبي شريف رحمه الله تعالى عطفه على الإشراك
بمعنى مطلق الكفر يقتضي المغايرة فإن أريد باليأس إنكار سعة الرحمة الذنوب، وبالأمن اعتقاد أنه لا مكر فكل منهما كفر اتفاقا لأنه ردّ للقرآن وان أريد استعظام الذنوب، واستبعاد العفو عنها استبعاداً يدخل في حد اليأس، وغلبة الرجاء المدخل له في حد الأمن فهو كبيرة اتفاقا اهـ. قوله: (فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة) إشارة إلى أنّ الخطب، والشأن والأمر بمعنى لكن الخطب يختص بما له عظم، وقوله والبشارة لا تحتاج إلى العدد قيل، ولا التعذيب ألا ترى أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام قلب مدائنهم بأحد جناحيه، وأورد على قوله، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم أنّ قوله تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ [سورة آل عمران، الآية: ٣٩] يدل على أنّ المبشرين جميع الملائكة، وأمّا مريم إنما جاءها لنفخ الروح والهبة كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا﴾، وقوله تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ [سورة التحريم، الآية: ١٢] وأمّا التبشير فلازم


الصفحة التالية
Icon