جعلت جملة ة ﴿إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ معترضة فخالفه من وجهين حيث جوّز الاستثناء من الاستثناء في الانقطاع، ومنعه الزمخشري فيهما، وحيث جعل اختلاف الحكمين في الاتصال وأثبته الزمخشري فيهما، فإن قلت المراد بالحكم في الكشاف معلوم، وبتقريره علم ثبوت الخلاف في كلا الوجهين فما مراد القاضي به حيث أثبته تارة ونفاه أخرى، وما معنى انتفاء الاختلاف على الاعترأض قلت كأنه أراد أنه على الانقطاع، وكون إلا بمعنى لكن ﴿إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ في معنى الخبر يكون في هذه الجملة حكم آخر وهو أن الإنجاء إلا امرأته مخرجا منه ولا يختلف حكماهما، وكذا إذا كان اعتراضا فإنه يكون لبيان حكمه فهو في المعنى كالأوّل فيصح الإخراج منه بخلاف ما إذا كان استئنافاً فإنه يكون منقطعا عنه، ويكون جوابا لسؤال مقدر، ولا يتم الجواب بدون الاستثناء، وهو ظاهر فإن قلت هل أحد المسلكين حق أحق أن يتبع أم لكل وجهة. قلت الذي ظهر لي أنّ الحق ما ذهب إليه الزمخشريّ دراية ورواية أمّا الأوّل فلأنّ الحكم المقصود بالإخراج منه هو الحكم المخرج منه الأوّل، والثاني حكم طارىء من تأويل إلا بلكن، وهو أمر تقديريّ، وأمّا الثاني فلما ذكر في التسهيل من أنه إذا تعدّد الاستثناء فالحكم المخرج منه حكم الأوّل، ومما يدل عليه أنه لو كان الاستثناء مفرغاً في هذه الصورة كما إذا قلت لم يبق في الدار إلا اليعافير أنها أبقاها الزمان إلا يعفور صيد فيها فإنه يتعين إعرابه بحسب العامل الأوّل كقولك ما عندي
إلا عشرة إلا ثلاثة، ثم إنّ كلامه مبنيّ على أمر، ومانع معنويّ لا على عدم جواز تخلل كلام منقطع بين المستثنى، والمستثنى منه كما قيل، وان كان مانعا أيضا كما صرح به الرضي فتدبر. قوله: (الباقين مع الكفرة الخ) إشارة إلى ما ذكره الراغب من أنه من الغبرة، وهي بقية اللبن في الضرع ومعناه الماكث بعد من مضى، وقيل معناه من بقي، ولم يسر مع قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وقيل فيمن بقي في العذاب. قوله: (وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم) يعني علق عن العمل في قوله إنها الخ. إذا لم يصح لوجود لام الابتداء التي لها صدر الكلام، والتضمين الظاهر أنّ المراد به المصطلح، وقيل المراد به التجوّز عن معناه الذي كأنه في ضمته لأنه لا يقدر إلا ما يعلمه، وهو جائز وإذا أجرى مجرى القول لكون التقدير، والقضاء يقتضي قولاً يجوز أن يعمل عمله من غير تضمين. قوله:) وإسنادهم إياه إلى أنفسهم) يعني إذا كان من كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإن كان من كلام الله تعالى كما قيل به لا يحتاج إلى تأويل، وهذا يدل على أنّ المراد التضمين المصطلح إذ لو كان المراد به العلم مجازاً لم يحتج إلى تأويل أيضاً بحسب الظاهر، وقوله لما لهم من القرب توجيه للإسناد المجازي فإنهم لقربهم من الله كقرب خاصة الملك به يجوز أن يسندوا لهم ما أسند إليه كما تقول حاشية السلطان أمرنا ورسمنا بكذا، والآمر هو في الحقيقة. قوله: (تنكركم نفسي وتنفر عنكا الما كان ظاهر قوله منكرون أنه لا يعرفهم وجوابهم بقولهم بل جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه، والاضراب لا يوافقه، ويطابقه جعله كناية عن أنكم قوم أخاف شركم لأن من أنكر شيئا نفر عنه، وخاف منه فلذا أضربوا عنه بما ذكر أي ما جئناك لايصال شرّ إليك بل لتمشية أمرك، وتعذيب أعدائك بما توعدتهم به، وتوله ما جئناك بما تنكرنا لأجله فهو اضراب عن هذا المقدر وباء بما يسرك للملابسة أو التعدية، وقوله ويشفي لك أي يشفي ما بصدرك، وقوله الذي توعدتهم به لو قال كنت توعدتهم به كان أولى، ويمترون بمعنى يشكون أو يجادلون. قوله: (باليقين من عذابهم) يعني أنّ الحق بمعنى المتيقن المحقق، والباء للملابسة أي ملتبسين بحق أو ملتبسا أنت به لابصاره، ولو حمل على الخبر اليقين كان قوله: وإنا لصادقون مكرّراً. قوله: (فاذهب بهم في الليل) لأنّ الإسراء سير الليل خاصة وكذا السرى وفي
ترادفهما والفرق بينهما كلام سيأتي في الإسراء، وقوله بقطع من الليل مؤكد له وعلى قراءة فسر تأسيس أو الإسراء مجرد عن جزء معناه لمطلق السير أو القيد لبيان وقوعه في بعض دون استغراقه فيكون لتقليل المدّة. قوله: (افتحي الباب وانظري الخ) يحتمل أن يكون استطال الليل فأمر جليسه لينظر في النجوم ليرى هل قرب الصبح أم لا، ويحتمل أنه كان يحب طوله فأمر بالنظم ليعلم ما بقي من الليل قال صاحبنا الموصلي في شرح شواهد الكشاف: أي كم بقي علينا يخاطب ضجيعته مستقصر الزمن الوصال أو


الصفحة التالية
Icon