بل المراد كل ما عبد فيشمل الملائكة، وعيسى من أولي العلم، وأتى بمن تغليباً لذوي العلم على غيرهم. قوله: (أو الآصنام وأجراها) في نسخة، واجراؤها بصيغة المصدر يعني أنّ المراد الأصنام، ولما عبدوها والمعبود لا يكون إلا من ذوي العلم عبر به بناء على ما عندهم فهو حقيقة أو هو جار على نهج المشاكلة لمن يخلق. قوله: (أو للميالغة وكأنه قيل إن من يخلق ليس كمن لا يخلق الخ) قال الزمخشري: في تقرير هذا الوجه أو يكون المعنى أفمن يخلق من أولي العلم كمن لا يخلق منهم فكيف من غيرهم كقوله: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا﴾ [سورة الأعراف، الآية: ١٩٥] يعني أن الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل، وأيدو أعضاء سالمة لأنّ هؤلاء أحياء وهم أموات فكيف تصح لهم العبادة لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا فقيل عليه أنه يحوم على أن العباد يخلقون أفعالهم، وأنّ المراد إظهار التفاوت بين من يخلق منهم، ومن لا يخلق كالعاجزين، والزمنى حتى يثبت التفاوت بين من يخلق منهم، وبين من لا يخلق من الأصنام بالطريق الأولى، ولقد تمكن منه الطمع حتى اعتقد أنه يثبت خلق العبد لأفعاله بتنزيله الآية على هذا التأويل، وتمنى لو تمّ له ذلك.
وما كل ما يتمنى المرء يدركه
وتبه بعض الشراج ورد بأنه غلط، وغفلة عن كلامه إذ المراد بمن لا يخلق جميع أولي العلم، وهذا هو الوجه الذي عزاه صاحب المفتاح لنفسه إذ توهم ما توهموا، وغفل كما غفلوا فقول المصنف رحمه الله تعالى للمبالغة معطوف على قوله للمشاكلة فيكون من فروع كون المراد بمن لا يخلق الأصنام على فرض! أنها من أولي العلم يعني لو كانوا من أولي العلم وهم ليسوا بخالقين لا يستحقون المساواة والشركة للعالم الخالق فكيف يشبه بهم ولا علم فيهم أو هو معطوف بحسب المعنى على قوله، والمراد بمن لا يخلق أي أو الكلام للمبالغة فالمراد به لا يخلق العالم القادر من الخلق دون الأصخام فلفظ من على حقيقته، والمقصود انكار تشبيه الأصنام بالله على أبلغ وجه لأنه إذا لم يصح تشبيه الحيّ القادر به تعالى من الخلق فكيف الجمادات وهذا هو الموافق لما في الكشاف والمفتاح فإن حمل عليه كلام المصنف رحمه الله تعالى فبها والا فذاك وجه آخر لم يذكره المصنف رحمه الله تعالى كذا قرّره بعض أرباب
الحواشي فتدبر. قوله: (فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر) الموصول صفة الحاصل، ولما كان التذكر يستعمل فيما تصوّر أوّلاً ثم حصل الذهول عنه بحيث يحضر ثانيا بأدنى تنبيه، وهذا الحضور الثاني هو التذكر، ولم يسبق نفي المساواة حتى يتصوّر ويذهل عنه جعله لظهوره بمنزلة ما سبق تصوّر. فعبر بما ذكر فالتذكر استعارة للعلم بما ذكر تصريحية، وقيل هي مكنية باعتبار أن التقدير يتذكرون عدم المساواة، والمداناة فالكناية في ذلك المفعول المقدر، واثبات التذكر تخييل، فلا يرد عليه شيء لكن الأوّل أظهر، وقوله بأدنى تذكر قيل الأظهر بأدنى توجه، وليس بشيء لأنّ التذكر أدنى مراتب التفكر لأنه شامل له ولأعمال الفكر والتعمق وهذا مما لا شبهة فيه. قوله: (لا تضبطوا عددها) أصل معنى الإحصاء العد بالحصى. وكان ذلك عادتهم قال الأعشى:
ولست بالأكثرمنهم حصى وإنما العزة للكاثر
ثم كنى به عن مطلق العذ واشتهر حتى صار حقيقة فيه، وزاد قيد الضبط بمعنى الحصر
لئلا يتحد الشرط، والجزاء فيخلو عن الفائدة فلذا أوّل الجزاء بما ذكر، ولو أوّل الشرط بأن أردتم عدها اندفع المحذور أيضا لكن ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أولى، وقوله فضلا الخ اعتبره في معنى الآية ليلتثم السياق والسباق، وقوله أتبع ذلك الإشارة إلى قوله: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ والنعم المراد بها ما مرّ من أوّل السورة إلى هنا. أو من قوله وهو الذي سخر البحر، وقوله ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها أي إن كان بترك الواجبات. قوله:) وهو وعيد) إنما كان وعيداً لأنّ علم الملك القادر بمخالفة عبده يقتضي مجازاته على ذلك، وقد مرّ مراراً أن ذكر علم الله، وقدرته يراد به ذلك، وهو ظاهر. قوله: (وتزييف للشرك (أي رذ وابطال له وأصل معنى التزييف في نقد الدراهم، وتمييز الزائف من الرائج، وقوله باعتبار العلم يعني أنه أبطل شركهم للاصنام أوّلاً بقوله فمن يخلق كمن لا يخلق الخ كما مرّ تقريره، وأبطله ثانيا بقوله: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ بناء على أن


الصفحة التالية
Icon