أي شيء أنزله ربكم فإذا نصبت فمعنى أساطير الأوّلين ما تدعون نزوله أساطير الأولين، وإذا رفعت فالمعنى المنزل أساطير الأولين كقوله: ﴿مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [سورة البقرة، الآية: ٢١٩] فيمن رفع اهـ، وقد خفي تغاير التقديرين والفرق بين الوجهين على بعض النحاة تبعا لصاحب التقريب حيث قال: إنه لا يتعين للتقدير في أحدهما بما فيه صورة فعل، وهو ما تدعون، وفي الآخر بالمنزل، وأيضاً لم خالف بين لفظي الدعوى، والإنزال في التقديرين مع أنه حمل الإنزال على السخرية، ثم ذكر جوابا لم يرضوه، ونسبه بعضهم في هذا الكلام إلى ارتكاب هجنة لا تليق بالمقام ولم يلتفت شراحه إلى نقله لأنه غث، وسمين نشأ من عدم تحقيق مرامه إذا سمعت هذا:
فاعلم أنّ ماذا فيه وجهان
أحدهما: أن يكون ما اسم استفهام وذا اسم موصول بمعنى الذي وتقديره أيّ شيء الذي
الخ والمطابق حيئذ في جوابه الرفع ليطابق الجواب السؤال في كون كل منهما جملة اسمية. والثاني: أن يكون ماذا اسما واحدا مركبا للاستفهام بمعنى أيّ شيء محله النصب فينصب جوابه ليطابقه في الجملة الفعلية، ولذا قيل إنه كان مرفوعا هنا وجب تقديره بالذي لأنه لو قدر بأفي شيء وجب نصبه لعدم العائد، والأصل عدم التقدير فهو حينئذ مفعول لا محالة، وقوله وعلى هذا لا بد من إرادة الذي في كلامه حتى يكون التقدير أيّ شيء الذي أنزله ربكم كأنه من سهو الناسخ.
وإذا قيل للكفار أي شيء أنزله ربكم لم يكن جوابهم إلا ما أنزل من شيء، وما تدعون إنزاله أساطير الأوّلين لأنهم لا يقرّون بإنزاله من الله، ولذا لم يقرأ أساطير بالنصب في المشهور، وإن قرىء به شاذاً كما ذكره العرب فلا وجه لإنكاره أما إذا قيل لهم أفي شيء الذي أنزل ربكم فالإنزال لما جعل صلة كان ثابتا عند السامع فجوابهم المنزل أساطير الأولين لكن إثباتهم الإنزال لا يكون إلا على سبيل السخرية كما سيأتي، وهذا هو الذي أوجب اختلاف التقدير في الجواب بحسب الإعراب، وقد ارتكبوا هنا تعسفات تنبىء عن سبق، وهم أو سوء فهم، ولا يخفى أن هذا لا يدفع السؤال فالظاهر أن الذي يرفع نقاب الشبهة هنا قول المدتق طيب الله ثراه إن ما ذكر إيضاج، والا فالمعنى ما الذي كما هو متفق عليه، والفرق بين التقديرين أنّ المنصوب وإن دلّ على ثبوت أصل الفعل، وإن السؤال إنما هو عن المفعول
متقاعد عن دلالة المرفوع لأن الصلة من حقها أن تكون معلومة للمخاطب، وأنّ الحكم معلوم عنده، وعلى التقديرين لم يطابق الجواب كما أشار إليه فيما سيأتي، وإنما قدر ما يدعون في النصب لأنّ السائل لم يعتقد علمهم بالإنزال بل سأل عما سمع نزوله في الجملة، فيكفي في رذه إلى الصواب ادعاء نزول الأساطير.
وأمّا على تقدير الرفع فلما دل على تحقق الإنزال فإنه مسلم عندهم، وإنما السؤال عن تعيين المنزل أجيب بأنّ ذللة المحقق عندك أساطير تهكما إذ من المعلوم أن المنزل لا يكون أساطير فبولغ في ردّه بالتهكم به، وان بت الحكم في غير موضعه، فأراد عدم المطابقة مبالغاً في رذه، ويشبه أن يكون الأول جوابا للسؤال فيما بينهم أو بينهم، وبين الوافدين من الحجاج، والثاني جواباً عن سؤال المسلمين على ما ذكر من الاحتمالين لا العكس كما ظن، وهذا هو الموافق لما بعده، وجعل ما هنالك وجهاً ثالثا وأنه لم يقصد به الجواب هنا، وتوجيه اختلاف التقديرين بغير ذلك تكلف مستغنى عنه. هذا غاية ما يمكن في كلامه، وإنما بسطناه لأنه من مشكلات الكشاف، وليس الريّ عن التشاف فانظر فيه بعين الإنصاف وأساطير جمع أسطار جمع سطر فهو جمع الجمع، وقال المبرد: جمع أسطورة كأرجوحة، وأراجيح أي مما كتبه الأولون فهو كقوله: ﴿اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ﴾ [سورة الفرقان، الآية: ٥]. قوله:) القائل بعضهم على التهكم الخ) يعني أنه إذا كان السؤال من بعضهم لبعض، فهو تهكم لأنهم لا يعتقدون أنه منزل لا إن كان من الوافدين عليهم الذين سمعوا به صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل عليه أو من المسلمين لهم ليعلموا ما عندهم فليس الأولى حذفه مع أنه قول للمفسرين مسبوق به. قوله: (أي ما تدّعون الخ) قد مرّ تحقيقه، وهو إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وهو على الوجوه السابقة. قوله:) وإنما سموه منزلاً الخ) يعني على تقدير المنزل أساطير الأولين، وليس توجيها لقوله: (ماذا أنزل التقدم توجيهه فإن الأساطير لا تكون منزلة، وقوله: (أو على الفرض) والتسليم


الصفحة التالية
Icon