جمع بمعنى الحبش، وهم جيل معروف، ويطلق على بلادهم،
وهو المراد هنا وكأنه مجاز، والمهاجرون من الحبشة إلى المدينة يقال لهم ذوو الهجرتين والمحبوسون ممن هاجر إلى المدينة أيضا، وقوله أو المحبوسون الخ معطوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأمر هؤلاء معروف في السير، ثم في أسماء هؤلاء المحبوسين اختلاف في التفاسير ففي بعضها جبير وما وقع في بعضها بدل أبو جندل بن جندل فخطأ من الناسخ لكنه أورد عليه أنه على القولين تكون الآية مدنية فيخالف قوله في أوّل السورة إنها مكية، إلا ثلاث آيات في آخرها، وإذا كان هذا التفسير مأثورا فلا بد من الذهاب إلى أنّ فيها مدنيا غير ذلك، وأن ما ذكره تبع فيه المشهور اللهمّ إلا أن يراد بالمكي ما نزل في حق أهل مكة أو ما نزل بغير المدينة أو يكون أخبر به قبل وقوعه، وكله خلاف الظاهر، وفيه أن هجرة الحبشة كانت قبل هجرة المدنية فلا مانع من كونها مكية بالمعنى المشهور على القول الأوّل الأصح، ولا ينافيه قوله، ثم إلى المدينة لأنه بيان للواقع لا للهجرة المذكورة في النظم فلا يرد عليه ما ذكر. قوله: (في حقه ولوجهه (أي الذين هاجروا مخلصين لوجه الله لا لأمر دنيويّ، وهو إشارة إلى أن في على ظاهرها، وأنها هجرة متمكنة تمكن الظرف في مظروفه فهي ظرفئة مجازية أو للتعليل كقوله لمجح: " إنّ امرأة دخلت النار في هرة " وقيل إنه إشارة إلى أنها ظرفية مجازية، وقوله لوجهه بيان لحاصل المعنى، ولو كان إشارة إلى كون في للتعليل لقال في الله أي لوجهه. قوله: (مباءة حسنة الخ (المباءة بالمد المنزل من بوّأه بمعنى أنزله، وإنما قدر مباءة ليكون تقديره أظهر لدلالة الفعل عليه، وليس تقدير دارأ أحسن منه إلا أنه مأثور هنا عن الحسن لأنّ المراد به المدينة موافقة لقوله تعالى: ﴿تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾ [سورة الحشر، الآية: ٩] فهو إما صفة أو مفعول به إن ضمن الفعل معنى نعطيهم وإذا قدر تبوئة فهو صفة مصدر محذوف، وقوله ولأجر الآخرة أي المعدّ لهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله مما يعجل لهم في الدنيا، وقوله وعن عمر الخ روي
هذا عنه ابن جرير وابن المنذر. قوله: (لوافقوهم) أي فيما هم عليه! من الإسلام وغيره، وقوله أو للمهاجرين قيل عليه إنه قال في معالم التنزيل إن الضمير للمشركين لا للمهاجرين لأنهم كانوا يعلمون ذلك، ودفع بأن المراد علم المشاهدة فإنّ الخبر ليس كالعيان أو المراد العلم التفصيلي، ويجوز أن يكون الضمير للمتخلفين عن الهجرة يعني لو علم المتخلفون عن الهجرة للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم، وقوله ومحله النصب أي بتقدير أعني أو الرفع بتقديرهم، ويجوز أن يكون تابعاً للذين هاجروا بدلاً أو بياناً أو نعتا. قوله: (مفوّضين إليه الأمر كله (الكلية مأخوذة من تعميم التوكل بحذف متعلقه أو من تقديم الجار والمجرور إذ معناه على ربهم وحده، وكونه لرعاية الفواصل ليس بمتعين كما قيل، وحينئذ فالتعبير بالمضارع، إما للاستمرار أو لاستحضار تلك الصورة البديعة، وقوله منقطعين حال مؤكدة. قوله: (رذ لقول قريثس الخ (أي ردّ لمقالهم هذا الذي جعلوه شبهة في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقوله إلا بشرى أي لا ملكا واحترز بقوله للدعوة العامة عن بعث الملائكة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام للتبليغ أو لغيره كإرسالهم لمريم للبشارة،! ما قيل من أنه المراد العموم لكافة الناس لأنه مخصوص بنبينا ىسييه بل المراد العموم لكثير من الناس لا صحة له مع ما فيه من الخلل لفظاً ومعنى، وقوله على ألسنة الملائكة عليهم الصلاة والسلام جمعه لتعددهم، وليس هذا مخالفا لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء﴾ [سورة الثورى، الآية: ٥١] وغيره من أقسام الوحي لأنه ليس المقصود به التخصيص، وإنما اقتصر عليه لأنه الأغلب وقوله قد ذكرت في سورة الأنعام أي في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً﴾ وقد مر تحقيقه. قوله: (فإن شككتم فيه الخ (ليس بيانا لأنه جواب شرط مقذو بل بيان لحاصل المعنى فلا يرد عليه أن للنحاة في مثله قولين إمّا أنه جواب مقدم أو دليل الجواب وهذا مخالف للقولين، وهذا جار على الوجوه الآتية في إعراب قوله بالبينات إلا الأخير كما ستراه، وقوله أهل الكتاب إشارة إلى أن الذكر بمعنى الكتاب لما فيه من الذكر، والعظة كقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ﴾ [سورة يس، الآية: ٦٩، وقوله أو علماء الأحبار أي أحبار الأمم السالفة فالذكر بمعنى الحفظ. قوله: (وفي الآية دليل


الصفحة التالية
Icon