على أئه تعالى لم يرسل امرأة ولا صبياً (ولا ينافيه نبوّة عيسى عليه الصلاة والسلام في المهد فإن النبوّة أعثم من الرسالة، ولا يقتضي صحة القول بنبوة
مريم أيضا، وقد ذهب إليه جماعة، وصححه ابن السيد، وقوله إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا للدعوة العامة، وهو المدعي، والرسول على الأوّل بمعناه المصطلح، وعلى الثاني بمعناه اللغوقي، وفي نسخة ولا ملكا مكان قوله ولا صبيا. قوله: (ورذ بما روي الخ) القائل هو الجبائيّ والردّ المذكور وارد على الحصر المقتضي للعموم فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيما روي على رؤية من قبل نبينا ﷺ لجبريل عليه الصلاة والسلام على صورته مع أنه إذا ثبت ذلك للنبيّ رسول الله ﷺ فلا مانع من ثبوته لغيره أيضاً، وقد نقل الإمام عن القاضي أنّ مراد الجبائي أنهم لم يبعثوا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بحضرة أممهم ورؤيته على صورته لم تكن بمحضر منهم وقوله وعلى وجوب الخ معطوف على قوله على أنه تعالى الخ، والوجوب مستفاد من الأمر. قوله: (أي أرسلناهم بالبينات والزبر الخ) يعني أنه متعلق بمقدر يدذ عليه ما قبله، وهو مستأنف استئنافا بيانيا ولدا عطف عليه، ويجوز الخ وإنما قدمه لأنه المختار السالم من الاعتراض!، وفسر البينات، والزبر بما ذكر وقوله، ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلا في الاستثناء فيه تسمح لأنه متعلق بأرسلنا فقط، ودخوله في الاستثناء، والحصر بناء على ما جوّزه بعض النحاة. من جواز أن يستثنى بأداة واحدة شيآن دون عطف فيقال ما أعطى أحد شيئأ إلا زيد درهما، وأنه يجري في الاستثناء المفرع أيضا لكن أكثر النحاة على منعه كما صزج به صاحب التسهيل، وغيره وأنا تعلقه به من غير دخوله في الاستثناء على أنّ أصله ما أرسلنا بالبينات، والزبر إلا رجالاً فخلاف ظاهر الكلام، واخراج له عن سنن الانتظام وأيضاً فيه عمل ما قبل إلا فيما بعدها من غير داع، وهو ممنوع أيضا عند أكثر النحاة. قوله:) أو صفة لهم (أي للرجال لا حالاً عنه لتنكره، وتقدمه وهو معطوف على داخلا لأنه متعلق معنى بأرسلنا، وكونه مفعولاً ليوحي بواسطة الباء، ومثله يسمى مفعولاً أيضا، والحالية من ضمير الرجال في قولهم
إليهم أي نوحي إليهم ملتبسين بالبينات، وقوله فاسألوا اعتراض أي ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ بتمامها جملة معترضة لأنها شرطية أو في قوتها، وهو جار على الوجوه المتقدمة أو غير الأوّل، وتصدير الجملة المعترضة بالفاء صزج به في التسهيل وغيره، وما نقل من منعه ليس يثبت كما في الكشف، ثم إذا كان اعتراضا بين مقصوري حرف الاستثناء فمعناه: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل، الآية: ٤٣] أنهم رجال ملتبسون بالبينات، وعلى هذا يقدر الاعتراض مناسبا لما تخلل بينهما وأشبه الوجوه أن يكون على كلامين ليقع الاعتراض موقعه اللائق به لفظا، ومعنى كذا أفاده المدقق في الكشف، وقوله من القائم مقام فاعله، وهو إليهم على القراءة المشهورة. قوله: (على أنّ الشرط للتبكيت والإلزام) كقول الأجير إن كنت عملت لك فأعطني حقي فإنّ الأجير لا يشك في أنه عمل، وانما أخرج الكلام مخرج الشك لأن ما يعامل به من التسويف معاملة من يظن بأجيره أنه لم يعمل فهو يلزمه بما علم، ويبكته بالتقصير مجهلا له فكذا هنا لا يشك في أن قريشا المخاطبين بهذا لم يكونوا عالمين بالكتب فيقول إن كون الرسل كذلك أمر مكشوف لا شبهة فيه: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [سورة النحل، الآية: ٤٣] إن لم تكونوا من أهله يبين لكم أن إنكاركم وأنتم لا تعلمون ليس بسديد وانما السديد السؤال منهم لا الإنكار وقد جوّز أن لا يخص أهل الذكر بأهل الكتاب ليشمل النبيّ ﷺ وأصحابه ولو خص بهم جاز لأنهم موافقون لهم، وانكارهم إنكارهم ومنه يعلم وجه تخصيص التبكيت، والإلزام بتعلقه بتعلمون على أن الباء سببية لا زائدة، والمفعول محذوف فلا يتجه إنه يمكن اعتباره في الوجوه المتقدمة أيضا فتدبر. قوله: (وإنما سمي ذكراً لأنه موعظة وتنبيه) أي لأن فيه ذلك فالذكر من التذكير إما بمعنى الوعظ أو بمعنى الإيقاظ من سنة الغفلة، ولاشتماله على ما ذكر أطلق عليه أو لأنه سبب له، وقوله في الذكر الخ بيان لأنّ إنزاله ليس بالذات بل بالواسطة، وقوله مما أمروا بيان فما نزل وقوله كالقياس يدخل فيه إشارة النص، ودلالته، وما يستنبط منه من العقائد، والحقائق. قوله: (وإرادة أن يتأملوا فيه) قيل عليه إنّ الإرادة لا ينفك عنها المراد على المذهب الحق يعني، وهم كلهم لم يتأملوا، ويتنبهوا


الصفحة التالية
Icon