مضمون قوله فمن الله هو المشروط لكان المعنى أنّ استقرارها سبب لحصولها من الله فيصير الشرط سببأ للمشروط، ومن ثمة وهم من قال: إن الشرط قد يكون مسببا، وإذا جعلنا الخطاب أو الإخبار بنفس الجملة هو الشرط ارتفع الإشكال، وفي الكشف أنّ المقصود منه تذكيرهم وتعريفهم فالاتصال سبب للعلم بكونها من الله وهذا أولى مما قدره ابن الحاجب من أنه سبب للاعلام بكونها منه لأن قوله ثم إذا مسكم الضر الخ، يدل على أنهم عالمون بأنه المنعم، ولكن يضطرون إليه عند الالجاء ويكفرون بعد الانجاء، ويدفع بأن علمهم نزل علدم الاعتداد به منزلة الجهل فاخبروا بذلك كما تقول لمن توبخه ما أعطيتك كذا أما، وأما.
قوله: (فما تتضرعون إلا إليه) الحصر مأخوذ من تقديم الجار والمجرور، والفاء جواب
إذا، والجؤار رفع الصوت يقال جأر إذا أفرط في الدعاء، والتضرع وأصله صياج الوحش، وقوله بربهم يشركون أي يتجذد إشراكهم بعبادة غيره، وفي الآية وجهان أحدهما أن يكون
الخطاب في قوله: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ الخ عاما فالفريق منهم الكفرة، ومن للتبعيض، وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وهم كفاركم الخ والباء في قوله بعبادة غيره سببية، والثاني أن يخص المشركين فمن للبيان على سبيل التجريد ليحسن والا فليس من مواقعه، والمعنى إذا فريق هم أنتم مشركون ويجوز على اعتبار الخصوص أيضاً كون من تبعيضية لأن من المشركين من يرجع عن شركه إذا شاهد تلك الأهوال كما صزج به في تلك الآية، والقرآن يفسر بعضه بعضا ولم تدل تلك الآية على تعين هذا لأنّ الاقتصار فيها يحتمل معنى آخر، رهو عدم الغلوّ في الكفر لا التوحيد وقوله على أن يعتبر بعضهم بالبناء للفاعل، ورفع بعضهم أي بناء على اعتبار بعضهم بما رآه فيرجع عن شركه. قوله: (كأنهم قصدوا بشركهم الخ (لما كان في موقع اللام التعليلية هنا خفاء لأنه كتعليل الشيء بنفسه وجه بأنها لام العاقبة والصيرورة، وهي استعارة تبعية والكفر بمعنى كفران النعم أو جحودها لأنه لما لم ينتج كفرهم وشركهم غير كفران ما أنعم به عليهم، وانكاره جعل كأنه علة غائبة له مقصودة منه، وقوله أو إنكار فالكفر بمعنى الجحود، وعلى الأوّل كفران النعمة، وهما متقاربان، وقوله أمر تهديد هو أحد معاني الأمر المجازية كما يقول السيد لعبده افعل ما تريد، وقوله فسوف تعلمون أغلظ وعيده إذ يفهم منه أنه إنما يعلم بالمشاهدة، ولا يمكن وصفه فلذا أبهم. قوله: (وقرئ فيمتعوا) قرأها أبو العالية ورواها مكحول عن أبي رافع مولى النبيّ ﷺ بضم الياء التحتية ساكن الميم مفتوج التاء مضارع متع مبنيا للمفعول كذا في البحر والإعراب فلا يلتفت إلى ما قيل إنه صحح في بعض النسخ المعتمدة بضم الياء وفتح الميم، وتشديد التاء من التفعيل فإن القراءة أمر نقلي لا يعوّل فيه على النسخ. قوله: (وعلى هذا) أي على قراءته مضارعا يجوز كون لام ليكفروا لام الأمر، والمقصود من الأمر التهديد بتخليتهم، وما هم فيه لخذلانهم إذ الكفر لا يؤمر به، وعلى الأمر فالفاء واقعة في جواب الأمر وما بعدها منصوب بإسقاط النون ويجوز جزمه بالعطف أيضاً كما جاز نصبه بالعطف إذا كانت اللام جارة. قوله:) أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد الخ) فما عبارة عن الآلهة، وضمير يعلمون عائد عليه، ومفعول يعلمون متروك لقصد العموم أي لا يعلمون شيئا أو لتنزيله منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم أو الضمير للمشركين والعائد محذوف كما أشار إليه بقوله أو التي لا يعلمونها. قوله: (فيعتقدون فيها جهالاث مثل أنها تنفعهم الخ) تفسير لعدم علمها لأنها معلومة لهم فالمراد بعدم علمها عدم علم أحوالها وجهالات منصوب على المصدرية أي اعتقادات هي جهالات مركبة، وقوله أو
لجهلهم فما مصدرية، واللام تعليلية لأصلة الجعل، وصلته محذوفة والتقدير يجعلون لآلهتهم نصيبا لأجل جهلهم. قوله: (من الزروع والأنعام (مرّ تفصيله في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [سورة الأنعام، الآية: ١٣٦] الآية، وقوله من أنها الخ بيان لما وزاد حقيقة ليكون افتراء، وظاهر قوله بالتقرب أنّ الافتراء هنا ليس على ظاهره وليس بمراد وتحقيق الافتراء، والفرق بينه، وبين الكذب مبسوط في محله. قوله: (يقولون الملاءلكة بنات الله) يحتمل أنهم لجهلهم زعموا تأنيثها، وبنوّتها ويحتمل كما قاله الإمام أنهم سموها بنات لاستتارها كالنساء، ولا يرد عليه أن


الصفحة التالية
Icon