السبل مجاز بمعني البطون، وأشار بقوله بقدرته إلى معنى إضافة السبل إلى الرب، وأشار بقوله أو فاسلكي الطرق الخ إلى وجه لزومه، والسبل مجاز عن طرق العمل وأنواعها، وقوله أو فاسلكي راجع إلى كون السبل على حقيقتها مع اللزوم فاختار من الوجوه ثلاثة وترك باقيها، وقوله من أجوافك بيان للمسالك والنور بفتح النون الزهر، وقيل على الوجه الذي اختاره إنّ النحل لا دخل لها في السلك في تلك المسالك المحيلة حتى تؤمر به فالأمر تكوبنيّ، وليس بشيء لأنّ الإدخال باختيارها فلا يضرّه كون الإحالة المترتبة عليه ليست اختيارية وهو ظاهر فليس كما زعم.
قوله: (لا تتوعر عليك ولا تلتبس) بالرفع حال من سبل ربك فإن كان تفسيراً لقوله ذللاً
مقدما عليه فلا ضير فيه إذ كثيراً ما يقدم التفسير على طريق التوطئة والتمهيد فلا يقال في مثله الأولى تأخيره أو يقال إنه بيان لمعنى إضافتها إليه فإنه مع كونه تنبيهاً سابقاً يصير قوله ذللا تأكيداً والأصل التأسيس، وقوله أي مذللة تفنن في التعبير إذ أفرد وأنث هنا لأنّ الجمع يوصف بالمفرد المؤنث كما يقال جبال راسية، وجمع في قوله وأنث ذلل إشارة إلى أنّ ذا الحال، وان كان ضمير المؤنثة المخاطبة لكته عبارة عن النحل المؤنث معنى كما مرّ فهو مطابق له فما قيل إنه اكتفى بحرف التأنيث مع كون ذللا جمعا لكون دمها، وهو السبل جامداً بخلاف النحل، وهم على وهم. قوله: (عدل به) أي بهذا القول، والباء للتعدية أو الملابسة عن خطاب النحل في اتخذي، وما بعده إلى خطاب الناس في قوله يخرج الخ ففيه التفات إذ لم يقل من بطونك، والمراد بخطاب الناس الكلام معهم بما ألقى إليهم فلا يرد أنه لا خطاب لهم هنا حتى يقال إنه باعتبار أنّ المعنى يخرج لكم أيها الناس شراب الخ، ولو قيل الخطاب في قوله إنّ في ذلك لم يبعد، وقوله لأنه محل الأنعام عليهم أي لأنّ هذا المحل بسياقه، وسباقه بيان لنعم الله على الناس، وأنهم المقصودون من خلق النحل والهامه، والمقصود معطوف على الأنعام، ولا يخلو عن ركاكة، والهامه مفعوله محذوف أي ما ذكر من الاتخاذ ونحوه وقوله لأنه مما يشرب أي مع الماء وغيره. قوله: (واحتج به) أي بهذا الكلام على هذا القول فإنهم اختلفوا فيه على أقوال المشهووة منها هذان القولان فقيل إنها تأكل ما ذكر فإذا استحال في جوفها فاءته وادخرته للشتاء، وهو المشهور وعن عليّ كزم الله تعالى وجهه في تحقير الدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة، وأشرف شرابه رجيع نحل ومن ذهب إلى القول الآخر قال إنه على طريق التمثيل
والنظم ظاهر في هذا، ولذا قيل:
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وان ترد ذمّه قيء الزنابير
قوله: (ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها الخ) وهذا مذهب أكثر الأطباء ورجحه الإمام، والمصنف رحمه الله تعالى رجح الأوّل لكونه ظاهر النظم والآثار معه ولأنه يحتاج إلى تأويل البطون بالأفواه لأنها تطلق على كل مجوّف كما يقال بطون الدماغ، وفي الكشف ليت شعري ما يصنع هؤلاء بقوله تعالى ثم كلي من كل الثمرات، ولا يخفى أنّ تفسير الأكل بالالتقاط وان دفع الفساد لا يدفع الاستبعاد، والتقاطها عند هؤلاء بعد الأكل والاغتذاء والطلية بتشديد اللام نسبة للطل والمراد به أجزاء صغيرة رشية من الندى وقوله كان العسل أي بنوع تغير لا إلى حدّ الاستحالة كما في القول الأوّل. قوله: (بحسب اختلاف سن النحل) فالأبيض لفتيها والأصفر لكهلها والأحمر لمسنها ولا يخفى أنه مما لا دليل عليه، وقيل اختلافه باختلاف ما يؤكل من النور. قوله: (إمّا بنفسه) جواب عما توهم من أنه كيف يكون شفاء للناس مع ضرره بالمحرورين وتهييجه المرّة ونحوها يعني أنه شفاء بنفسه وله دخل في أكثر ما به الشفاء من المعاجين والتراكيب فالتنوين للتعظيم فيحمل على بعض الأمراض أو هو للتبعيض فلا يقتضي إنّ كل شفاء به، ولا إن كل أحد يستشفي به فلا يرد عليه منع الكلية، وقوله إلا والعسل جزء منه أي فيكون له دخل في الشفاء وقال أبو حيان رضي الله تعالى عنه وأمّا السكر فمع اختصاصه ببعض البلاد محدث مصنوع للبشر، وفي شرح الشمائل أنه عليه الصلاة والسلام لم يأكل السكر (١) وقد قيل على هذا إن جعله جزءا منه لا يقتضي انّ له دخلاً في الشقاء بل عدم ضرره إذ قيل إنّ إدخاله في التراكيب لحفظها، ولذا ناب عنه السكر في ذلك. قوله: (وعن قتادة رضي الله تعالى عنه الخ (هذا


الصفحة التالية
Icon