يحكى عن أبي ذرّ رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله رسول الله ﷺ يقول: " إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تطعمون " فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت أفبنعمة الله يجحدون فجعل ذلك من جملة جحود النعمة، وقيل هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم أنتم لا تسوّون بينكم، وبين عبيدكم فيما أنعصت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء، وقيل المعنى أنّ الموالي، والمماليك أنا رازقهم جميعاً فهم في رزقي سواء فلا يحسبن الموالي أنهم يردّون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم قال الشارح رحمه الله تعالى وتبعه غيره فسر الآية بوجوه أحدها بين فيها حسن الملكة وثانيها أن يكون تمثيلاً والممثل به ما تعورف بين الناس من أحوال السادات مع المماليك فذكر لتوبيخ المشركين، وثالثها أنها بيان للجميع لأن جميع النعم المعدودة من أوّل السورة إلى هنا واصل منه تعالى للعبد سواء الحرّ وغيره لئلا يمن أحد على أحد، ووجه كونه تمثيلا بأنّ القرينة عليه كون الآية تخلصاً إلى بيان قبائح الكفار وكفرانهم النعم في قوله، ويعبدون من دون الله الخ وقوله أفبنعمة الله يجحدون تنبيه على القرينة، وفيه بحث فإن معناه الحقيقي مراد منه بلا شبهة فلا يصح أن يكون تمثيلا بالمعنى المتعارف فالظاهر أنه كناية عما ذكر إلا أن يريد بالتمثيل كونه مثالاً، ونظيراً له والقرينة المذكورة لإرادة التمثيل بالمعنى المذكور ما ذكر وهذا كما قاله في سورة الروم: ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء﴾ [سورة الروم، الآية: ٢٨] وقيل الفرق بين الأقاويل أن نعمته تعالى في القول الأوّل والثالث هي الرزق وفي القول الثاني نعمة الله مطلقا هذا والجحود في القول مجارّ عن الكفران لأنّ جحود النعمة ملزوم له واطلاق الملزوم على اللازم مجاز وفي الثالث استعارة شبه منع الرزق من المماليك بالجحود وفيه تأمل والى الوجه الثاني أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله
ردّ وإنكار الخ، وكذا قوله يتخذون له شركاء وقوله فإنه يقتضي بيان لإطلاق الجحد على الشرك، وقوله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بيان لأنّ المراد من نعمة الله ما أنعم به من إقامة الحجج، وإيضاح السبل وارسال الرسل ولا نعمة أجل منها، وهو معطوف على قوله حيث يتخذون ولما كان الجحود يتعدى بنفسه فعدى بالباء كما في قوله: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ﴾ [سورة النمل، الآية: ٤ ا] أشار إلى أنّ تعديه بالباء لتضمنه معنى الكفر أو لما فيه من معناه، وقريب منه ما قيل إنه من حمل النظير على النظير فالتضمن اصطلاحيئ أو لغوي. قوله: (وقرأ أبو بكر تجعدون بالتاء) أبو بكر رحمه الله تعالى أحد القراء السبعة والباقون قرؤوا بالياء التحتية لسبق الخطاب في قوله بعضكم، والغيبة في قوله فما الذين الخ فروعيا فيهما. قوله:) أي من جنسكم الخ الما كانت النفس لها معان كالذات، وهو أشهرها، ولا يستقيم هنا كغيره فسرها بالجنس وهو مجازاً ما في المفرد أو الجمع لأنّ الذوات مجموعها جنس واحد فتدبر، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تحريم نكاح الجن. قوله: (وقيل هو خلق حوّاء من آدم) قيل عليه لا يلائمه جمع الأنفس، والأزواج وحمله على التعظيم تكلف غير مناسب للمقام، وكذا كون المراد منهما البعض أي بعض الأنفس وبعض الأزواج وكأنه وجه تمريضه، والذاهب إليه رأى أن حوّاء خلقت من نفس آدم عليه الصلاة والسلام كما مرّ فهو أنسب بالنظم مما قبله. قوله: (وحفدة) الحفدة جمع حافد ككاتب وكتبة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو من قولهم حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفدانا إذا أسرع في الخدمة والطاعة وفي الحديث: " إليك نسعى ونحفد " وقد ورد لازما ومتعدياً وقيل أحفد أيضا، وقيل أصل معناه سرعة القطع وقيل مقاربة الخطو وفي معناه اختلاف فقيل هو ولد الولد وكونهم من الأزواج حينئذ يكون بالواسطة وإذا كان بمعنى البنات فلا واسطة، وقوله فإن الحافد الخ بيان لوجه تخصيص الحافد ومعناه الخادم من الأقارب أو مطلقا بهن واختيار التعبير به لتعارفهن بالخدمة التامة لشفقمتهن على الآباء، والأمهات والأختان الأصهار، وقوله على البنات وقيده به ليخرج أزواج القرائب ممن يطلق الصهر عليه، ولما كان القيد إذا تقدم تعلق بالمتعاطفين، والأصهار
ليسوا من الأزوأج جعلوا حفدة على هذا منصموبا بمقدر أي


الصفحة التالية
Icon