وجعل لكم حفدة ولذا مرضه لأنه لا قرينة على تقدير ما هو خلاف الظاهر، وكذا تفسيره بالربائب جمع ربيبة وهي ابنة امرأة الرجل من غيره لأنّ السياق للامتنان ولا يمتن بها، وان قيل إنه باعتبار الخدمة. قوله: (وبجوز أن يراد بها البنون الخ)، ولما كان الظاهر ترك العطف حيسئذ لاتحادهما بين أنه للتنبيه على تغاير الوصفين المنزل منزلة تغاير الذات وهما البنوّة والحفدة فهو كقوله: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ [سورة الأنفال، الآية: ٤٩] وقوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام
ومثله كثير فصحيح فيكون امتنانا باعطاء الجامع لهذين الوصفين الجليلين فكأنه قيل وجعل لكم منهن أولادا هم بنون، وهم حافدون أي جامعون بين هذين الأمرين. قوله: (من اللذائذ أو الحلالات) إشارة إلى أنّ الطيب إمّا بمعناه اللغوي وهو ما يستلذ أو ما هو متعارف في لسان الشرع وهو الحلال ولو قال الحلال بدل الحلالات كان أحسن لركاكته، ولا يرد على الثاني أنّ المخاطب بهذا الكفار، وهم لا شرع لهم فلا يناسب تفسيرها بها كما توهم لأنهم مأمورون ومكلفون بها كما بين في الأصول، وأيضاً فهم مرزوقون بكثير من الحلال الذي أكلوا بعضه وحرموا بعضه، ولا يلزم اعتقادهم للحل ونحوه. قوله: (ومن للتبعيض الخ (المرزوق بمعنى ما رزقه الإنسان ووصل إليه، وهو بعض من كل الطيبات في الدنيا أو في الآخرة لأنّ هذا كالأنموذج لها إذ " فيها ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت " وأنموذج كنموذج بالفتح المثال معرّف نموذه، وقد مرّ تحقيقه، وضمير منها إمّا للطيبات مطلقا أو للتي في الدنيا لأنّ منها كثيراً لم يصل إليهم أو التي في الآخرة بقرينة قوله أنموذج وقوله الدنيا وهو المصرح به في الكشاف ففي عبارته الغاز. قوله: (وهو أنّ الآصنام تنفعهم الخ) يعني المراد بالباطل نفع الأصنام بشفاعتها، ونحوه وتحريم ما ذكر وفسر كفران النعم بإضافتها إلى غيره تعالى أو تحريم ما أحل منها لأنه إنكار وجحود لها في الحقيقة لأنهم إذا أضافوها لغيره فقد أنكروا كونه منعمأ بها وإذا حرموها فقد أنكروها، ثم إنه وقع في هذه الآية كما ترى وفي العنكبوت: ﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [سورة العنكبوت، الآية: ٦٧] بدون ضمير لأنه لما سبق في هذه السورة قوله أفبنعمة الله يجحدون أي يكفرون كما مرّ فلو ذكرت بدونه هنا لكانت تكراراً بحسب الظاهر فأتى بالضمير الدال على المبالغة، والتأكيد ليكون ترقياً في الذم بعيداً عن اللغوية، وقيل إنه أجرى على عادة
العباد إذا أخبروا عن أحد بمنكر يجدون موجدة فيخبرون عن حاله الأخرى بكلام آكد من الأوّل، ولا يخفى أنه فرق بلا فارق، وقيل آيات العنكبوت أنكرت على الغيبة فلم يحتج إلى زيادة ضمير الغائب، وتخصيص هذه بالزيادة دون أفبالباطل لئلا تزيد الفاصلة الأولى على الثانية، ولا يخفى أنه لا مقتضى للزوم الغيبة، ولا لبس لو ترك الضمير فتأمّله، وقوله أو حرموا الخ أي كما حللوا ما حرّم الله كالميتة. قوله: (وتقديم الصلة على الفعل الخ) أي في الفاصلتين لا في هذه فقط ولا فيهما، والأولى تعلم بالقياس، وإن صح لقوله في العنكبوت، وتقديم الصلتين الخ ثم إنه ذكر للتقديم نكتتين الاهتمام لأنّ الأهئم المقدم، والأهمية لأن المقصود بالإنكار الذي سيق له الكلام تعلق كفرانهم بنعمة الله، واعتقادهم للباطل لا مطلق الإيمان والكفران، وايهام التخصيص، وأقحم الإيهام قيل لأنّ المقام ليس بمقام تخصيص حقيقة إذ لا اختصاص لإيمانهم بالباطل، ولا لكفرانهم بنعم الله لكنه مخالف لقوله في العنكبوت وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة وهو المصرج به في الكشاف هنا لأنهم إذا آمنوا بالباطل كان إيمانهم بغيره بمنزلة العدم، ولأنّ النعم كلها من الله بالذات أو بالواسطة فكفرانهم ليس إلا لنعمه كما قيل:
لا يشكر الله من لا يشكر الناسا
ولا منافاة بينهما لأنه إذا نظر للواقع لا حصر فيه، وان لوحظ ما ذكر يكون حصراً ادعائيا
وهو معنى الإيهام للمبالغة فلا تخالف بين الكلامين كما ظن، ولا حاجة إلى أن يقال يجوز قصد التخصيص بالنسبة إلى بعض ما عداهما على منوال القصر الإضافي، وهو الذي أراده الزمخشري. قوله: (من مطر ونبات الخ) بيان لرزقا على اللف، والنشر، وقيل إنه بيان لشيئا بإعرابيه. قوله: (ورزقاً إن جعلته مصدرا الخ) قال المعرب في نصب شيئاً وجوه أحدها أنه على المصدرية ليملك أي شيئاً من الملك، والثاني أنه منصوب برزقا، وهو منقول عن الفارسي رحمه الله فإن كان الرزق يكون مصدراً كالعلم كما صرح به بعض النحاة، وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فلا غبار عليه


الصفحة التالية
Icon