عجز عن التحذي بواحد بأنّ هذا التحدي وقع أوّلاً فلما عجزوا تحداهم بسورة مما مرّ وان كان سابقاً في التلاوة متأخر في النزول، واعترض بأنّ هذا يقتضي تقدم هذه السورة على سورة البقرة وبونس، وقد أنكره المبرّد، وقال الأمر بالعكس، ووجهه بأنّ ما وقع أولاً هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والاشتمال على ما اشتمل عليه من الأخبار عن المغيبات والأحكام، وأخواتها فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بأن يأتوا بعشر سور مثله في النظم، وان لم تشتمل على ما اشتمل عليه، وقيل عليه أنه لا يطرد في كل سورة من القرآن وأنّ تقدم السورة على السورة لا يقتضي تقدم جميع آياتها فيجوز تأخر تلك الآية عن هذه، وأمّا تكرّرها في البقرة ويونس فلا بأس فيه.
(قلت (أمّا قوله غير مطرد فلا وجه له لأن مراده اشتماله على شيء من الأنواع التسعة ولا
يخلو شيء من القرآن عنها، وأمّا اذعاء تأخر نزول تلك الآية فخلاف الظاهر، ومثله لا يقال بالرأي فالحق ما قاله المبرّد من أنه تحداهم أوّلاً بسورة مثله في البلاغة، والاشتمال على ما اشتمل عليه فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بالإتيان بعشر سور مثله في النظم من غير حجر في المعنى، ويشهد له توصيفها بمفتريات وأمّا ما قيل إن التحدّي بسورة وقع بعد إقامة البرهان على التوحيد، وابطال الشرك فتعين أن يكون لإثبات النبوّة بإظهار معجزة، وهي السورة الفذة، ولذا قال المحققون القرآن هو الكلام المنزل على محمد ﷺ للإعجاز بسورة منه والتحدي بعشر وقع بعد تعنتهم، واستهزائهم، واقتراحهم آيات غير القرآن لزعمهم أنه مفتري فمقامه يناسبه التكثير
لأنه أمر مفتري عندهم فلا يعسر لإتيان بكثير مثله فمع قلة جدواه لا وجه لما أسسه عليه كما في الكشف. قوله: (وثوحيد المثل باعتبار كل واحد) أي كان الظاهر مطابقته لموصوفه في الجمعية لكنه أفرد بتاويله بكل واحد منها مثله إذ هو المقصود لا مماثلة المجموع، وقيل مثل، وان كان مفرداً يجوز فيه المطابقة، وعدمها لأنه يوصهف به الواحد، وغيزه نظراً إلى أنه مصدر في الأصل كقوله تعالى: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ وقد يطابق كقوله: ﴿وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ﴾ [سورة الواقعة، الآية: ٢٢] وقيل إنه هنا صفة لمفرد مقدر أي قدر عشر سور مثله، وقيل إنه وصف لمجموع العشر لأنها كلام، وشيء واحد، وأيضا عشر ليس بصيغة جمع فيعطي حكم المفرد كنخل منقعر. قوله: (مفتريات مختلقات الخ) قال الإمام استدل بهذه الاية على أن إعجاز القرآن بفصاحته لا باشتماله على المغيبات، وكثرة العلوم إذ لو كان كذلك لم يكن لقوله مفتريات معنى أمّا إذا كان بالفصاحة فالفصيح يكون صدقا وكذبا، وقيل عليه إنّ الملازمة ممنوعة لأن معنى قوله مفتريات من عند أنفسكم كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لا كذباً وردّ بأن معنى الافتراء الكذب، والاختلاق اختراع الكذب لا مطلق الاختراع كما ظنه لكن ما ذكر. إنما يدل على صحة كون وجه الإعجاز ذلك، ولا يمنع احتمال كونه الأسلوب الغريب، وعدم اشتماله على التناقض، وقوله من عند أنفسكم قيده به لأنّ المعنى عليه إذ هم عرب عرباء فصحاء فالمطلوب الإتيان به من عندهم لا من عند غيرهم، وكذا ما بعده. قوله: (لتعلمكم القصص والأشعار الخ) ذكره توطئة لما بعده ولا منافاة فيه لما قبله كما توهم، والنظم عطف تفسيري للقريض إن لم يرد به ترتب المعاني الأول في النفس كما وقع في كلام عبد القاهر بهذا المعنى، وقوله فصحاء مثلي المثلية أمّا في عدم القدرة على طبقة الإعجاز أو تنزل منه ﷺ فلا يرد أنه أفصح العرب بالاتفاق كما قيل. قوله تعالى: ( ﴿وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم﴾ ) قدم تفسيره باستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به، وقوله من دون الله متعلق بادعوا كما مرّ وفائدة ذكره الإشارة إلى أنه لا يقدر على مثله إلا الله، وقد مرّ تحقيقه. قوله: (وجمع الضمير الخ) يعني أن الأمر بقل للنبيّ ﷺ فمقتضاه أن يقال لك لكنه جمع للتعظيم بناء على أنّ ذلك لا يختص بضمير المتكلم كما قاله الرضي أو الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين لأنهم كانوا يتحدّون أيضا، وأمر النبيّ ﷺ شامل لهم لأنهم مأمورون بما أمر به ما لم يعلم أنه من خصائصه، وفي هذه المسألة اختلاف عند الشافعية كما صرّح به في جمع الجوامع لكن الأصح عندهم إن أمره بشيء
لا يتناول أقته والمصنف رحمه الله تعالى ذهب هنا إلى القول المرجوح عندهم، ومحل الخلاف ما لم يكن المأمور به يقتضي المشاركة كالقتال فما قيل إنّ قوله وكان أمر الرسول ﷺ الخ تعليل لقوله:


الصفحة التالية
Icon