كانوا يتحدونهم، وهو مخالف لمذهبه غير وارد وهاهنا بحث، وهو أنه ذكر في الكشاف تأييداً لهذا الوجه قوله تعالى في موضع آخر فإن لم يستجيبوا لك فاعترض! عليه بعض علماء العصر بأنه لا يصلح لتأييده بل لتأييد كون المراد الرسول ﷺ وجمع للتعظيم، وأجاب بأنه تأييد له بالنسبة للوجه الثالث إذ محصله أنّ الضمير للمتحدّي لا للمشركين، ولا يخفى بعده، ولو قيل إنه تأييد له لأنه خوطب النبيّ ﷺ في محل آخر بالكاف، ولو كان الجمع للتعظيم جمع هناك أيضاً فتأثل. قوله: (وللتنبيه على أنّ التحدّي الخ (الظاهر أنه معطوف على قوله لتعظيم الرسول ﷺ والوجوه ثلاثة إمّا أن يكون ضمير الجمع للرسول ﷺ وحده جمع للتعظيم أو له وجمع مجازا أيضا تنزيلاً لفعله منزلة فعلهم جميعا لأنهم معه على حدّ بنو فلان قتلوا قتيلا، وجعل فعله كفعلهم إشارة لما ذكره، وعطفه باً لواو لاشتراكه مع الأوّل في أنه مجاز، وأنه يكون للنبيّ ﷺ وحده فيهما بخلاف الثاني فإنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين فالجمع على حقيقته، وقيل إنه عطف على قوله لأن المؤمنين، والفرق بينهما أنّ مبني الأوّل على كونهم متحدين حقيقة معه صلى الله عليه وسلم، ومبني الثاني على كونهم حاضرين عند تحديه غير غافلين عنه فكأنهم متحدون أيضاً، وإنما عطف بالواو دون أو مع تباين مبناهما لاتحادهما في كون الخطاب للمؤمنين فهما مباينان للأوّل لكون الخطاب فيه للنبيّ ﷺ وحده، وقيل إنه معطوف على لهم، والمعنى لأنّ المؤمنين الخ يعني في الخطاب تنبيه لهم على أنّ التحدي يوجب ما ذكر فوجب أن لا يغفلوا عنه، ويشتغلوا به، وقيل إنه معطوف على قوله من حيث الخ يعني أمر قل يتناولهيم لدليلين أحدهما ما تقرّر أنه يجب اتباعه عليهم، والثاني أنّ في تناول هذا الأمر تنبيها على أن التحذي الخ فهذا دليل مخصوص يتناول هذا الأمر بخصوصه بخلاف الأوّل لعمومه في كل أمر سوى ما خصه الدليل، وقيل عليه أن التنبيه المذكور يصلح أن يكون باعثا لا يراد الخطاب في لكم جميعا بعدما أورد مفرداً، ولا يصلح أن يكون دليلا يثبت به تناول الأمر الوارد بلفظ المفرد كما ثبت بما قبله، وهذا مبنيّ على انّ المراد بالتحدي تحدي النبيّ ﷺ أو جنسه، وأنّ المراد بقوله فلا تغفلون عنه أنهم يفعلونه أو يراقبونه فعلى أن المراد الجنس وفعلهم له يكون مندرجا في العلية، ويصلح دليلاً، ولا ورود لاعتراضه ويظهر وجه عطفه بالواو أيضا فتدبر. قوله: (ولذلك رتب عليه قوله الخ) أي لكونه يزيدهم رسوخا في الإيمان بالله وكتبه، ورسله عليهم الصلاة والسلام رتب عليه ما يدلّ على ذلك. قوله: (إنما أنزل بعلم الله ملتبساً بما لا يعلمه الخ) جعل ما كافة، وفي أنزل ضمير ما أوحى، وبعلم الله حال أي ملتبسا بعلمه، وإنما هذه تفيد الحصر كالمكسورة على الصحيح فالمعنى ما أنزل إلا ملتبساً بعلمه لا يعلمه غيره، وهو
معنى قول المصنف رحمه الله لأنه إذا التبس بعلمه لا يعلمه إلا هو، والمراد بما لا يعلمه غيره، ولا يقدر عليه سواه الكيفيات، والمزايا التي بها الإعجاز والتحدّي، ومن ضم إليه المغيبات لأنها لا يعلمها سواه فلبيان الواقع لا لأنّ به التحدي لكنه لا ينافيه، وضمّ المصنف رحمه الله إليه قوله، ولا يقدر عليه سواه مع أنّ المذكور في النظم العلم دون القدرة قيل لأنّ نفي العلم بالشيء يستلزم نفي القدرة لأنه لا يقدر أحد على ما لا يعلم فتأمّل. قوله: (لا يعلمه إلا الله) قال صاحبنا الفاضل المحشي الذي يظهر من هذه العبارة أن يكون كلا جانبي الحصر بعد الباء فلا يكون محمولاً على استفادة الحصر من أنما المفتوحة كما ذكره العلامة في سورة الكهف بل هو مستفاد من الإضافة كما في قوله فلا يظهر على غيبه أحداً أي على غيبه المخصوص بعلمه كما أفصح عنه خاتمة المفسرين هنا اص. قوله: (لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر الخ) دليل للحصر المفيد العلم لهم لأنه علم ما لا يعلمه غيره وقدر على ما لا يقدر عليه سواه فقوله بما لا يعلم ناظر إلى العلم، ولا يقدر إلى القادر وعطفه عليه على حد قولهم متقلداً سيفا، ورمحاً أي والقادر على ما لا يقدر الخ. فلا يرد أنّ قادراً لا يتعدى إلى قوله بما لم يعلم. قوله: (ولظهور عجز ا-لهتهم الخ) هذا مخصوص بالمشركين دون من آمن من أهل الكتاب فلهذا صرّح به، وإن دخل فيما قبله فلا يقال إنه لا حاجة لذكره فالمؤكد


الصفحة التالية
Icon