وقوله لا محالة لأنه لا يخلف الميعاد، ولترتبه على الكفر المستلزم لدخولها، وهو توطئة
لقوله فلا تك في مرية مأخوذ منه، وكسر ميم المرية بمعنى الشك لغة أهل الحجاز الفصيحة المشهورة، والضم لغة أسد وتميم وبها قرأ السلمي، وأبو رجاء والسدوسيّ. قوله:) من الموعد) أي من كون النار موعدهم، وليس بأظهر كما قيل، والخطاب إن كان عامّا لمن يصلح له فالمراد تحريضهم على النظر الصحيح المزيل له، وان كان للنبيّ ﷺ فهو بيان لأنه ليس محلا للريب تعريضاً بمن ارتاب فيه، ولا يلزم من نهيه عنه وقوعه، ولا توقعه منه. قوله تعالى: ( ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا﴾ (المراد نفي أن يكون أحد أظلم منه أو مساوياً له في الظلم كما مرّ، وقوله كان أسند إليه ما لم ينزل كالمحرف الذي نسبوه إلى الله أو نفى عنه كاليهود المنكرين للقرآن ولما في كتابهم كنعت النبيّ رسول الله ﷺ وآية الرجم، ويحتمل أن يريد أنه من الكلام المنصف أي لا أحد أظلم مني إن كنت أقول لما ليس بكلام الله أنه كلامه كما زعمتم أو منكم إن كنتم نفيتم أن يكون كلامه مع تحقق أنه كلام الله، وفيه وعيد، وتهويل للأمر قيل، ولا يبعد أن تكون الآية للدلالة على أن القرآن ليس بمفتري فإنّ من يعلم حال من يفتري على ألله كيف يرتكبه كما مز في سورة يون! في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ﴾ [سورة طه، الآية: ٦٩] وقيل أراد به هذا، وما مرّ فيكون تفسيراً للآية بوجهين. قوله: (في الموقف) بيان لمحل العرض!، وقوله بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم تفسير له بأنّ المراد من عرضهم عرض! أعمالهم ففيه مضاف مقدر أو هو كناية عن ذلك، وقيل إنه مجاز والعرض على الله من قراءة صحف الأعمال، وبيان ما ارتكبوه ليطلع عليه أهل الموقف ويوبخوا بسوء صنيعهم، وان كان تعالى عالما بالسر والعلانية، وقيل إنها تعرض على الملائكة، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمؤمنين فالعرض على الله إمّا مجاز أو حقيقة، وإسناده أي كونه على الله مجاز وفيه نظر والإشهاد جمع شاهد كصاحب، وأصحاب بناء على جواز جمع فاعل على أفعال أو جمع شهيد بمعناه كشريف وأشراف، ومعناه الحاضر، وفي الإشارة بقوله هؤلاء تحقير لهم وقوله
تهويل عظيم أي للعنة كل من يراهم، وقوله لظلمهم بالكذب على الله بيان لارتباطه بما قبله، وقوله عن دينه إشارة إلى أن السبيل كالطريق المستقيم الدين مجازاً. قوله: (ويصفونها بالانحراف (الانحراف تفسير للعوج، وهو ظاهر، ويقال بغيتك الشيء طلبته لك فتفسيره بوصفهم لها بالعوج بيان لأنه مجاز عن ذلك لأن من طلب شيئاً لآخر كأنه سبب لاتصافه به، ووصفه له فهو من إطلاق السبب على المسبب أو هو على حذف مضاف أي يبغون أهلها العوج أي الانحراف عن الدين بالردّة وحاصله أنهم يصفونها بالعوج وهي مستقيمة أو يبغون أهلها أن يعوجوا بارتدادهم للكفر وقيل يطلبونها على عوج، وعلى اختلاف معاني عوجا اختلف إعرابه على أنه حال أي معوجين أو مفعول به أي يبغون لها العوج. قوله: (والحال أنهم كافرون الخ) إشارة إلى أن الجملة حالية، وقوله وتكريرهم أي لفظ هم لتأكيد كفرهم، واختصاصهم به كذا قال الزمخشري فقيل إنّ التأكيد من تكريرهم والاختصاص من تقديم هم على كافرون، وقيل التخصحيص من تقديم بالآخرة، والمعنى أنّ غيرهم، وان كفروا بها لكنهم دون هؤلاء، وهؤلاء هم المخصوصون بالكفر الذي لا غاية بعده ورد بأنّ تقديم بالآخرة لا يدلّ على ما ذكره بل على حصر كفرهم في الآخرة، وأنّ كلا الأمرين مستفاد من هم لأنه بمنزلة الفصل وان لم يستوف شرائطه فيفيد الاختصاص، وضرباً من التأكيد كما قرّروه، وأمّا تقديم بالآخرة فلم يريدوه والاختصاص اذعائيّ ومبالغة في كفرهم كان كفر غيرهم ليس بكفر في جنبه، وقيل إنه بناء على أنّ مثل زيد هو عارف يفيد الحصر، والظاهر أنه يفيد تقوّي الحكم لا غير، واختصاصهم بالجر معطوف على تأكيد وجوّز عطفه على كفرهم بناء على أنه مستفاد من تقديم الضمير الأوّل فتأمل. قوله: (في الدنيا) جعل الأرض كناية عن الدنيا، ومن زائدة لاستغراق النفي، وقيل إنها تبعيضية، وجوّز في ما أن تكون موصولة. قوله: (ليكون أشدّ وأدوم (قيل عذاب الدنيا لا يمنع عذاب الآخرة فلكم من معذب في الدارين فالأولى أن يقول لحكمة لا يعلمها إلا الله) قلت) كونه أشد، وأدوم مما لا شبهة فيه، وكونه كذلك لا ينافي تعذيب


الصفحة التالية
Icon