بعضهم في الدنيا كما وقع لبعضهم من الخسف ونحوه. قوله تعالى:) ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ ) فإن قيل ما وجه مضاعفة العذاب، وقد نص الله على أن من جاء بالسيئة لا يجزي إلا مثلها، وهم لا يظلمون قيل معناه مضاعفة عذاب الكفر بالتعذيب على ما فعلوا من المعاصي، والتعامي عن الآيات، ونحو ذلك من تضاعف كفرهم، وبغيهم، وصدهم عن سبيل
الله، ويدلّ عليه نسبته إلى الموصوفين بما ذكر من الصفات وقوله استئناف أي جملة مستأنفة بين بها ذلك، وقيل إنها من كلام الإشهاد، وهي جملة دعائية. قوله: (لتصامّهم عن الحق وبغضهم الخ) قيل إنه تعالى نفى استطاعتهم لسماع الحق وأبصاره وهم يسمعون ويبصرون فبطل القول بإثبات استطاعة العبد لأفعاله، وقدرته عليها لأنه لما ثبت أنّ بعض أفعال العبد غير مقدور عليه لم يكن الجميع كذلك، وهذا كما يرد على المعتزلة يرد على أهل السنة لأنهم أثبتوا للعبد استطاعة غير مؤثرة فلذا قيل إن المراد أنهم يستثقلون استماع الحق إلى الغاية، ويستكرهونه كذلك فكأنهم لا يستطيعونه وهذا شائع في كل لسان كقولهم هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه إذا استكرهوه ولا يراد نفي القدرة بل فرط الاستكراه فهذه استعارة تصريحية تبعية لأنها تشبيه حالهم بحال آخر لهم لا استعارة تمثيلية فإنها تشبيه حال شيء بحال آخر فحاصله أنه شبه استكراههم، ونفرتهم عن الشيء بعدم الاستطاعة عليه، ووجه الشبه الامتناع من كل منهما لكن فيه أنّ قوله أنّ الاستعارة التص شيلية لا تكون إلا في تشبيه حال شيء بحال آخر لا يظهر له وجه لأنّ اللازم فيها إنما هو التركيب، وملاحظة الهيئتين، وان كانتا لذات واحدة فلو قلت في أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى أنه شبه حال تردده بين إقدام، واحجام بحالته إذا قدم رجلاً، وأخر أخرى لم يكن منه مانع، وقيل في تقرير الاستعارة التبعية أنه شبه تصامّهم عن الحق وبغضهم له بعدم استطاعة السمم فأطلق على المشبه اسم المشبه به، وأورد عليه أنه لا يلائم قول المصنف لتصافهم ولتعاميهم، ولو تعين أن اللام للتعليل فلا ضير فيه أيضا لأن تحقيق المعنى الحقيقيّ المناسب للمجازي قد يعلل به إطلاقه عليه، والتجوّز به فالمعنى لوقوع التصامّ والتعامي، وفرط الأعراض!، والبغض أطلق عليهم عدم الاستطاعة، وأمّا حمله على نفي استطاعة النافع من ذلك فيذهب به رونق الكلام والمبالغة التي فيه، وأمّا القول بأنه تشبيه، وأق كلام الكشاف مبنيّ عليه فليس بشيء يحتاج إلى الردّ. قوله: (وكأنه العلة لمضاعفة العذاب (فكأنه قيل ما بالهم استوجبوا مضاعفة العذاب فقيل لأنهم كرهوا الحق وأعرضوا عنه غاية الإعراض، وبهذا التقرير اندفع ما ذكره الطيبيّ رحمه الله معترضاً به على التعليل، وأنه لا ينتظم. قوله:) وقيل هو بيان لما نفاه من ولاية الآلهة الخ) فالمراد بقوله ما كان لهم الخ بيان عدم نصرة آلهتهم ونفعها لهم، وقوله ما كانوا يستطيعون السمع الخ. في حق آلهتهم وهو بيان وتقرير له وما بينهما اعتراض حينئذ فالضمائر للأصنام لا للكفار، وعلى الأوّل الأولياء مطلق الناصرين الشامل للآلهة، وغيرهم، وعلى هذا يخص الآلهة، ونفي استطاعة السمع، والأبصار حقيقة على هذا دون الأوّل، ومرض! هذا لمخالفته السياق، واستلزامه تفكيك الضمائر، وقيل
إنه لا ينتظم الكلام معه بدون تقدير ما كنا في غنية عنه. قوله: (باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى) كأنه أراد أن خسران أنفسهم بخسران مالها من عبادة الله إذا استبدلوها بذلك، وفي البحر أنه على حذف مضاف أي سعادة أنفسهم وراحتها فإن أنفسهم باقية معذبة، وقيل إبقاؤه على ظاهره أولى لأنّ بقاء العذاب كالإبقاء، وفي الكشاف إنّ خسرانهم في تجارتهم لا خسران أعظم منه لأنهم خسروا أنفسهم يعني أنّ المقصحود من خلقهم عبادة الله فقد تركوا أنفسهم لعبادة الأوثان فهذا في الحقيقة خسران في النفس، وهو أعظم خسارة ففي الكلام استعارة مرشحة كقوله:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب
قوله: (من الآلهة وشفاعتها) قيل عطف شفاعتها من قبيل أعجبني زيد، وكرمه لأنّ المفتري الشفاعة لا الآلهة ورد بأنه ليس منه إذ دعوى الآلهة افتراء، ودعوى الشفاعة كذلك، ولا حاجة إلى تقدير


الصفحة التالية
Icon