تكذبوني لاستبعاد ذلك، وما ذكرت من دعوى النبوّة إنما هو بوحي وإعلام من الله مؤيد بالبينة فلا يرد ما قيل: إنّ كلمة لا تنافي عطفه على لا أقول بتقدير أقول بعدلاً. قوله:) أي ولا أقول أنا أعلم الغيب) كذا في الكشاف بإبراز ضمير أنا فقيل: إنّ أنا تأكيد للمستتر في أقول، لا من باب التقؤى أو التخصيص، وفي هذا التأكيد إظهار فائد تكرار، لا لأنك إذا أكدت لإزالة احتمال المعية، فقد أذنت أنك في الكلام محق على اليقين منه بعيد عن السهو والتجوّز ولو قلت إنه زاده ليظهر عطفه على الاسمية، ويدفع احتمال عطفه على الفعلية لأنه الظاهر كان أوضح. قوله: (حتى تكذبوني استبعاداً الما قلته من دعوى
النبوّة والإنذار بالعذاب، فإنه بإعلام الله ووحيه، والغيب ما لم يوج به، ولم يقم عليه دليل، وليس هذا كذلك، وقيل: إنه غير ملائم للمقام، والظاهر أنه ﷺ حين اذعى النبوّة سألوه عن المغيبات وقالوا له: إن كنت صادقا فأخبرنا عنها فقال: أنا أذعي النبوّة بآية من ربي، ولا أعلم الغيب إلا بإعلامه، ولا يلزم أن يذكر ذلك في النظم، كما أنّ سؤال طردهم كذلك، ولا يخفى عليك أنه لا قرينة تدلّ على ما ذكره، وأمّا طردهم فإن استحقارهم لهم قرينة على ذلك، وقد صرّح به السلف رحمهم الله، ومثله لا يقال من قبل الرأي. قوله: (أو حتى أعلا أنّ هؤلاء أنبعوكي بادىء الرأي من غير بصيرة ولا عقد قلب) قيل: ظاهر. أنّ المراد أنهم آمنوا نفاقاً فعلى هذا يكون المراد من قولهم بادي الرأي بادي رأي من يراهم، وليم يذكر هذا الاحتمال، ويجوز أن يكون المراد عقداً جازما ثابتا كأنّ ما سواه ليس بعقد، وردّ بأن المراد بالبصيرة وعقد القلب اليقين، والاعتقاد الجازم، وهو شامل للوجهين في بادىء الرأي لا مغاير لهما، كما توهمه هذا القائل، ولا يخفى أنّ هذا صيد من المقلي، فإنه الوجه الثاني الذي ذكره بقوله ويجوز الخ وما ذكر. أوّلاً بناء على الظاهر من عقد القلب، فإنّ ربط القلب بالشيء اعتقاد له، وعدمه هو النفاق، ولا شك أنه لم يسبق له ذكر. قوله: (وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول) كما يجوز عطفه على المقول، وأمّا على التفسير الأوّل فيتعين الثاني، وفيه نظر. قوله: (حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا الا يخفى أنّ هذا مبنيّ على الوجه الثاني المذكور في الكشاف في تفسير قوله: ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾ [سورة هود، الآية: ٢٧] وقد مرّ أنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يعرّج عليه، ولم يرتضه لابتنائه على الاعتزال، ومنه تعلم ما في الكشف من النزاع في الابتناء، فإنه إنما فسره به لاقتضاء النظم له وتوصيفه هنا بالبشرية صريح فيه، إلا أن يقال قوله سابقا لا مزية لك علينا، شامل للوجهين، فإنّ المزية المقتضية لوجوب طاعته، بأن يحوز كمالات جنسهم، أو بأن يكون من جنس آخر أفضل منهم، ولا مانع من ذلك في كلامه، فهذا يعين إرادته فيما مر، وأما جعل هذا كلاما آخر وليس ردّا لما قالو. سابقاً فلا وجه له. قوله: (في شأن من استرذلتموهأ) إشارة إلى أن اللام ليست للتبليغ بل للأجل، والا لقيل لن يؤتيكم، وأن الإسناد للأعين مجاز كما سيأتي، وأنّ العائد محذوف، وأنّ الازدراء وقع، والتعبير بالمضارع للاستمرار أو لحكاية الحال، وقوله: فإن ما أعد الله الخ ولا يبعد أن يراد به خير الدنيا والآخرة، إذ المال غاد ورائح، وقد أورثهم الله أرضهم وديارهم بعد غرة! م، وقوله: إن قلت تفسير لإذا لأنها جواب وجزاء كما مرّ، وقوله: لتجانس الراء في الجهر فإن التاء مهموسة.
قوله: (واسناده إلى الآعين للمبالنة والتنبيه على أنهم استرذلوهم) المبالغة من اسناده للحاسة التي لا يتصور منها تعييب أحد فكان من لا يدرك ذلك يدركه، وأمّا التنبيه على أنه بمجرّد الرؤية فظاهر من جعل الازدراء لمجرّد تعلق البصر من غير تفكر وتأمّل، وقوله: بادي الرؤية من غير روية مطابق لقوله: ﴿مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ [سورة هود، الآية: ٢٧] أحسن مطابقة مع ما بين الرؤية والروية من التجنيس، وفيه إشارة إلى أنّ الرأي يجوز أن يكون بمعنى الرؤية كما مرّ، وبما عاينوا الخ. كالتفسير لقوله بادىء الرأي من غير روية، وقوله: وقلة منالهم أي ما يصلح حالهم من المال من النوال، وهو الصلاح للحال، قال: عجزت وليس ذلك بالنوال لا من النوال بمعنى العطاء، وقوله: في معانيهم وكمالاتهم، أي في المعاني التي كملوا بها كالإيمان والتسليم للحق والمسارعة إليه، فإن كانت الرواية، معايب من العيب فالمعنى التأمّل في أحوالهم الناقصة والكاملة، فيفرقون بين ذلك لتمييزهم بين ما يعابون به من غيره. قوله: (فأطلتة أو أتيت بأنواعه)


الصفحة التالية
Icon