لدعوة الرسول بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله: ما لي لا أدعوهم حرصا على إسلامهم فقيل: ﴿وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [سورة الكهف، الآية: ٥٧] انتهى وللشراح فيه كلام واقف في أعراف الرد والقبول، والذي سلكه المدقق في الكشف أنّ دلالة النظم على ما ذكر صريحة لأن تخلل إذا يدل على ذلك لأنّ المعنى إذن لا دعوت وهو من التعكيس بلا تعسف وأما أنه جواب على الوجه المذكور فمعناه أنه نزل منزلة السائل مبالغة في عدم الاهتداء المرتب على كونهم مطبوعا على قلوبهم فلا ينافي ما أقرّوه من أنه على تقدير سؤال لم لم يهتدوا فإنّ السؤال على هذا الوجه أوقع اهـ، وإذا تأمّلته انكشف الغطاء، وقد طلع الصباج ولم يحتج إلى ما قيل من أنّ وجهه أنه جعل الفاء في فلن يهتدوا استعارة كاللام في قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ الخ وان كان من تصرّفاته البديعة، ومن لم يعرف ما ذكر خبط خبط عشواء فقال: المراد أنها جزاء الشرط الذي هو مدلول إذا لا الشرط المذكور وأمّا كونه جواب سؤال مقدر فليس بمعروف فالأولى أن لا يذكر قوله كما عرفت كما تركه جار الله، وصرفه لقوله: جزاء فقط لا يخلو عن بشاعة. قوله: (على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم) قيل تقدير هذا يقتضي أنه منع من دعوتهم فكأنه أخذ من مثل قوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا﴾ [سورة النجم، الآية: ٢٩] فقيل بل هو مفهوم من قوله: إن تدعهم الخ وما ذكر بعيد جدّاً، كحمل المقدر على أنه لم لا أدعوهم مع قوله: إن يهتدوا إذا أبدا، وقيل: إنّ الصواب أنه مأخوذ من قوله: على قلوبهم أكنة وأنت بعدما أوضحناه لك في غنية عنه فتأمّل. قوله: (فانّ حرصه ﷺ على إسلامهم يدل عليه) أي على ذلك التقدير وان ذكر له أن قلوبهم في أكنة رجاء أن تكشف تلك اكنة وتمزق بيد الدعوة فينكشف الغطاء فليس سؤاله المقدر دالاً على المنع عن مطلق الدعوة كما مرّ فإنه من قلة التدبر. قوله: (البليغ المنفرة) كما يدل عليه صيغته وقال الإمام: إنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة دون الرحمة لأنّ المغفرة ترك الإضرار والرحمة إيصال النفع وقدرة الله تعالى تتعلق بالأوّل لأنه ترك مضار لا نهاية لها، ولا تتعلق بالثاني لأنّ فعل ما لا نهاية له محال وقد قال النيسابوري: هذا فرق دقيق لو ساعده النقل، على أنّ قوله: ذو الرحمة لا يخلو عن مبالغة وفي القرآن غفور رحيم بالمبالغة في الجانبين كثيراً، وفي تعلق القدرة بترك غير المتناهي دون فعله نظر لأنّ مقدور أنه تعالى غير متناهية لا فرق بين المتروك وغيره، وقيل عليه أنهم فسروا الغفار بمريد إزالة العقوبة عن مستحقها والرحيم بمريد الأنعام على الخلق وقصد المبالغة من جهة في مقام لا ينافي تركها في
آخر لعدم اقتضائه لها وقد صرحوا بأن مقدوراته تعالى غير متناهية وما دخل منها في الوجود متناه ببرهان التطبيق، وهذا كلام حسن اندفع به ما أورد على الإمام إلا أنه كان عليه أن يبين النكتة هنا وهي ظاهرة لأن المذكور بعده عدم مؤاخذتهم بما كسبوه من الجرم العظيم، وهو مغفرة عظيمة وترك التعجيل رحمة منه سابقة على غضبه لكنه تعالى لم يرد إتمام رحمته عليهم وبلوغها الغاية إذ لو أراد ذلك لهداهم وسلمهم من العذاب رأسا وقوله: الموصوف بالرحمة إشارة إلى أنّ معنى كونه صاحبها اتصافه بها، وقيل إنه إشارة إلى كونه في حكم المعرف في إفادة الحصر فإن قلت ما ذكره الإمام يقتضي عدم تناهي المتعلقات في كل ما نسب إليه تعالى بصيغ المبالغة، وليس بلازم إذ يمكن أن تعتبر المبالغة في المتناهى بزيادة الكمية وقوّة الكيفية ولو سلم ما ذكر لزم عدم صحة صيغ المبالغة في الأمور الثبوتية كرحيم ورحمن ولا وجه له، قلت: هذه نكتة لوقوع التفرقة بينهما هنا بأنه اعتبرت المبالغة في جانب الترك دون مقابله لأن الترك عدميّ يجوز فيه عدم التناهي بخلاف الآخر ألا ترى أنّ ترك عذابهم دال على ترك جميع أنواع العقوبات في العاجل وان كانت غير متناهية فتدبر. قوله: (استشهاد على ذلك (أي على كونه غفور إذا رحمة والمراد بالاستشهاد هنا ذكر شاهد من أفعاله تعالى يثبت به ما ذكر، وقوله: وهو يوم بدر إشارة إلى أن موعداً اسم مكان وقيل إنه جهنم، وقوله: من دونه أي من دون الله أو العذاب والثاني أولى وأبلغ لدلالته


الصفحة التالية
Icon