استطاعة الصبر، وجوه التأكيد أن والنفي بلن فإنّ نفيها آكد من نفي غيرها وعدوله عن قوله: لن تصبرا لي لن تستطيع كما أشار إليه بقوله: كأنها الخ فإنّ المراد من نفي
الاستطاعة نفي الصبر لأن الثاني لازم الأوّل فهو إثبات له بطريق برهانيّ على طريق الكناية، كما يدل عليه قوله: وكيف تصبر وتنكير وصبرا في سياق النفي أي شيئا ما من الصبر، فلا وجه لما
قيل إنّ التأكيد هنا بأن ولن فأطلق الجمع على اثنين أو يقال: اسمية الجمل التي خبرها جملة من
وجوه التأكيد، وأمّا قوله: إن فيه دليلاً على أن الاستطاعة مع الفعل فغير ظاهر لأن الاستطاعة مما
يتوقف عليه الفعل فيلزم من نفيه نفيه سواء تقدّمت عليه أو تأخرت فمن غفل عن هذا قال ليس المراد هنا أنه ثعالى أراد بنفي استطاعة الصبر نفي الصبر ولا يدلّ عليه قوله: وكيف الخ وليس في
كلامه ولا في الآية دليل على أنّ الاستطاعة مع الفعل بل بنى كلامه عليه وإنما قلنا ليس في الآية
ذلك مع أنّ نفي الاستطاعة إذا كانت قبل الفعل كما قاله المعتزلة: لا يصح، لأن صبره معه ليس
بمحال لأن لهم أن يقولوا: أراد الخضر عليه الصلاة والسلام بنفيها نفي الصبر فكأنه لا يصح ويحتمل أنه مراد جار الله والمصنف تبعه فيه. قوله: (على ما أتولى (أي أباشره ومناكير أي منكرات بحسب الظاهر وقوله: لم يحط بها خبرك إشارة إلى أن التمييز محوّل عن الفعل ولذا
عقبه ببيان نصبه وإذا كان مصدراً فناصبه تحط لأنه يلاقيه في المعنى لأن الإحاطة تطلق إطلاقا
شائعا، وتخبره بضم الباء من خبر الثلاثي من باب نصر وخلم ومعناه عرف، وقوله: لم تحط به أي بما أتولى وفي نسخة بها وهي ظاهرة، وعلى متعلقة بتصبر. قوله: (عطف على صابراً (لأن
الفعل يعطف على المفرد المشتق كما في قوله: صافات ويقبضن بتاً ويل أحدهما بالآخر كما أشار
إليه بقوله: وغير عاص فجملته في محل نصب وإذا عطف على ستجدني فهي أيضا في محل
نصب على أنها مقول القول ومفعول له أيضاً وما وقع في الكشاف من أنها لا محل لها حينئذ مشكل ولذا تركه المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه لأنّ مقوله هو المجموع فلا يكون
لأجزائه محلا باعتبار الأصل وقيل: مراده أنه ليس مؤوّلاً بمفرد كما في الأوّل وهو بعيد، وقيل: مراده بيان حال العطف في القول المحكيّ عن موسى عليه الصلاة والسلام لأنه الذي يهمه هنا إذ التقييد بالمشيئة في الحكاية، وقيل: إنه مبني على أنّ مقول القول محذوف وهذه الجملة مفسرة له وغير عاص بالعطف ظاهر، وفي بعض النسخ تركه إشارة إلى أنه كالقيد والتفسير لما قبله. قوله: (للتيمن (أي للتبرّك لا للتعليق وإن كان كل يفعل بمشيئة الله فلا يقال إنه لا حاجة إلى التصريح به وفيه نظر، وقوله: فلا خلف يعني إذا أريد التعليق فهو متفرع على الوجه الثاني، وقوله: وفيه دليل الخ ردّ على المعتزلة، ووجهه أنه إذا صدر بعض الأفعال بمشيئته لزم صدور الكل بها إذ لا تائل بالفرق وهو متفرع أيضاً على الوجه الثاني لأنه إذا كان للتيمن لا يدل على ما ذكر وبه أجاب المعتزلة ولك أن تقول إنه جار عليهما لأنه لا وجه للتيمن بما لا حقيقة له فتأمل. قوله: (فإن مشاهدة الفساد) أي الأمور الفاسدة شرعا بحسب الظاهر كقتل الغلام، والصبر على خلاف المعتاد كإقامة الجدار لمن لم يقم بإطعامه، وأرود عليه أن هذا التعليل إنما يستقيم أن لو كان هذا الاستثناء بعدما رأى من الخضر عليه الصلاة والسلام ما رأى وليس كذلك فكأنه فهم من كلامه أنه ستصدر عنه أمور منكرة إجمالاً ولا يخفى أنّ معنى قوله: ﴿لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [سورة الكهف، الآيات: ٧٣- ٧٦، أنك لن تصبر على ما يصدر مني وعدم صبره عليه وإقراره على ما يفعله لبس إلا لمخالفته بقضية شريعته وهو ظاهر ولعله صرح له بذلك لكنه أجمل في النظم لتفصيله بعده. قوله: (فلا خلف (أي في وعده له بالصبر حتى يلزم الكذب في كلامه، وهو غير لائق بمقام النبوّة وفي نسخ وخلفه ناسياً لا يقدح في عصمته وهو جواب عما مر، وأورد عليه أن النسيان في المرة الأولى، كما يفهم من سياق النظم ولذا ورد في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: كانت المرّة الأولى من موسى عليه الصلاة والسلام نسياناً وبهذا تعين أنّ النسخة الأولى هي الصحيحة، وأنّ المصنف رجع عن الثانية، ولا يخفى أن السؤال إنما يرد لو كان خلف الوعد كذبا وهو كخلف الوعيد ليس بكذب عند المحققين كما بين في الأصول إتا لأنه إنشاء


الصفحة التالية
Icon