الغافل عن الشيء المصدق الجازم بعدمه ربما يتفكر فيه فتحصل الطمأنينة وربما يعرض عن التفكر فلا حاجة إلى هذا إلى التقييد بالقيد المذكور لدفع التوهم، ولا يخفى ما في كلامه وكلام المصنف رحمه الله تعالى لأنّ الغافل عن الشيء كيف يتفكر فيه ولو جزم بعدمه لم يكن غافلاً عنه، وأنه لا يجزم بعدمه إلا بعد تصؤره وقد قال المصنف في تفسيره قوله تعالى: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ [سورة غافر، الآية: ١٣] أي يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها فإنّ الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه، ولذا جعل أكثرهم كلام الزمخشريّ جوابا واحداً وحمل كلام المصنف عليه فقوله: لا حاجة إلى التقييد غفلة عن هذا فإن حملت الغفلة هنا على الجهلة والحماقة أو الإهمال، وكذا إن حمل الإعراض على الاسترسال في الغفلة ونحوه لم يرد ذلك ولكنه شيء آخر لم ينظروا إليه وربما يقال: إنّ في قوله سنة الغفلة والجهالة إشارة إليه فتأمل. قوله: (ويجوز أن يكون الظرف حالاً الخ (في كلامه إشارة إلى ضعفه كما في الكشف أن فائدة إيراد الآية جملة ظرفية ما في حرف الظرف من الدلالة على التمكن وايراد الثاني وصفا مستقلا دالاً على نوع تجدد ومنه يظهر ضعف الحمل على أنّ الظرف حال قدمت. قوله: (تنزيله ليكرّر على أسماعهم (صرف الحدوث إلى نزوله لأنه المناسب للمقام وذكر التنزيل لموافقته للتكرير، وفيه ردّ على المعتزلة إذ استدلوا بهذه الآية على حدوث القرآن وقوله على المحل لأنه فاعل ومن زائدة وقيل إنها تبعيضية وهو بعيد وقوله: ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ﴾ استثناء مفرغ من مفعول ما يأتيهم محله النصب على أنه حال لا صفة
واضمار قد وعدمها في مثله مختلف فيه. قوله: (وكذلك لاهية) أي هي حال من الواو فهي مترادفة على ما بعده فهي متداخلة وقوله جامعين الخ الجمعية تفهم من جعلهما حالين من شيء وأحد. والذهول عن التفكر من إسناد اللهو إلى القلوب وأيضاً اللاهية من لها عنه إذا ذهل وغفل، يعني أنهم وان فطنوا فهم في قلة جدوى فطنتهم كأنهم لم يفطنوا أصلا كذا في الكشاف، وهو دفع لما يتوهم من أنّ الغظة المذكورة قد زالت بقرع عصا النذر فهذا ترق لإفادة أنّ تنبههم ب! منزلة العدم فتأمّل. قوله: (بالنوا في إخفائها) يعني أنّ النجوى السرّ وهي ما يسز فلا يفيد ذكر أسرّوا فأجاب: أوّلاً على اختيار كونها اسماً بأنّ معنى أسرّوا بالغوا في إخفاء الخفيّ، كما يقال: كتم كتمانه وثانيا على أنها مصدر بمعنى التناجي، فالمعنى أخفوا تناجيهم بأن لم يتناجوا بمرأى من غيرهم. والفرق بينهما ظاهرم لأنها على الأوّل الاسم وعلى الثاني مصدر ومعنى لأته لا يلزم من مبالغة الإخفاء الخلوّ عن الناس ولا يلزم من الخلوّ المبالغة في الإخفاء فلا يتوهم أنّ أحدهما مغن عن الآخر. قوله: (للإيماء بأنهم ظلموا فيما أسروا به) تقييد الظلم بما ذكر بقرينة السياق وقوله لعلامة الجمع أي حرف دال على الجمعية كواو قائمون وتاء قامت وهذه لغة لبعض العرب، وليست شاذة ولا مستهجنة، وكونه مبتدأ لا ضير فيه ولا لبس بمنع من تأخيره كما في زيد قام. قوله: (وأصله وهؤلاء أسروا النجوى) هكذا في الكشاف مع قوله: ووضع الظاهر موضع الضمير وهو يوهم أنّ هؤلاء ضمير وليس كذلك بل هو اسم إشارة فهو بيان الحاصل المعنى مع نوع تسمح لمشابهة اسم الإشارة للضمير في تعلقه بما قبله، فعبر به للدلالة على أنّ القصد إلى الحكم على المذكورين لا أنّ الموض! ع موضع اسم الإشارة. وقوله: فوضع الخ يعني أنّ الموضع موضع الإضمار وعدل عنه لما ذكر وقوله منصوب على الذم أي بفعل مقدر. قوله: (بأسره) أي هذا الكلام بجملته. وقيل إنه منصوب بالنجوى نفسها لأنها في معنى القول وقيل إنه منصوب بمقدر أي قائلين هل هذا الخ وقوله واستلزموا أي عدوّه لازما لعدم ثبوته. وقوله: فأنكروا حضوره أي الحضور عنده وفي محل ظهر منه ذلك وهو
إشارة إلى أن الهمزة للاستفهام الإنكاري وأن تأتون بمعنى تحضرون. وقوله: ما يهدم أمره وفي نسخة من أمره أي يبطله ويزيله. وقوله: عامة أي كلهم لأنه من ألفاظ العموم، بمعنى كافة ذكره ابن مالك. قوله: (فضلاً عما أسروا به) ذكر الشريف أنّ فضلا منصوب بفعل لازم ومتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه بنفي الأدنى واستبعاده على نفي الأعلى، واستحالته ولا بد قبله من نفي صريحا أو ضمنا مقدراً


الصفحة التالية
Icon