رحمة منه لا إيجابا عليه وهو ردّ على من يقول بالإيجاب. قوله: (خلقه موفرا) أي مكملاَ تامّا وهذا بيان لحاصل المعنى لأنّ تقديره أحسن خلقه أي جعله حسنا تامّا كاملاً حسبما تقتضيه حكمته، وكون خلقه بدل اشتمال إذا كان بالمعنى المصدري فالضمير المضاف إليه لكل شيء أمّا إذا كان بمعنى المخلوق فهو بدل كل من كل أو بدل بعض من كل والضمير لله، والذي ارتضاه أبو عليّ في الحجة وهو ما صرّح به في كتاب سيبويه أنه مفعول مطلق لأحسن من
معناه، والضمير لله أيضاً وقد جوّز أيضا كونه مفعولاً ثانياً أو أوّل لأحسن لتضمينه معنى أعطى. قوله: (وقيل علم كيف يخلقه) قال الراغب الإحسان يقال على وجهين أحدهما الأنعام على الغير والثاني الإحسان في فعله، وذلك إذا علم علماً حسناً وعمل عملاً حسنا وعليه قول أمير المؤمين عليّ كرم الله وجهه الناس أبناء ما يحسنون أي ينسبون إلى ما يعلمونه، ويعملونه من الأفعال الحسنة اهـ فحينئذ إذا تضمن معنى العلم فلا مانع من أن يحوي معناه ويعمل عمله كما قرّروه في قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، [سورة هود، الآية: ٧] ولا يضرّ عدم تعدّبه لهما في المثال فقوله يحسن معرفته إشارة إلى وجه تفمنه معنى العلم لا إلى تقدير مضاف، وقوله قيمة المرء ما يحسنه هو من كلام عليّ أيضاً كرم الله وجهه وهو استشهاد على دلالته على العلم كالبيت المنسوب إليه أيضاً وهو:
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
فلا يتوهم أنّ ما استشهد به غير موافق لمدعاه كما قيل، ومعنى المثال زيادة رفعة المرء
وعلوّ قدر. بعلمه لا بحسنه وجسمه فالقيمة مجاز فيه. قوله: (بفتح اللام) على أنه فعل ماض، والجملة واقعة بعد نكرة فهي صفة كل أو شيء والثاني أولى لأنّ المضاف بعد كل هو المقصود بالذات فهي في محل جرّ لا نصب، وهو الظاهر من قوله فالشيء الخ. قوله: (على الأوّل مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل) قصر العامّ على بعض أفراده إمّا بغير مستقل، وهو كلام غير تام تعلق بصدره كلاصفة أو بمستقبل من كلام أو عقل أو غيره كالحس ويسمى الأوّل متصلاَ والثاني منفصلاً، وكل منهما تخصيص عند الشافعية لأنه قصر العامّ على بعض أفراده مطلقا وأمّا عندنا فالتخصيص هو الثاني فقط كلاما كان أو غيره فما ذكره المصنف من أنه على الأوّل أي على قراءة خلقه بالمصدرية على وجوه إعرابه مخصوص بمنفصل، وهو دلالة العقل على أنه لم يحسن خلق كل شيء مطلقاً حتى ذاته وصفاته لأنّ المتبادر من الخلق الحدوث الزمانيّ وذاته وصفاته سبحانه وتعالى منزهة عن الاتصاف بالخلق فاحتيج إلى تخصيص شيء بما ذكر، وأمّا الحدوث الذاتيّ فاصطلاح للفلاسفة واه كما بين في الكلام ولو جعلت جملة خلقه مستأنفة كان التخصيص بمنفصل أيضاً على هذه القراءة لكن لكونه خلاف الظاهر لم يتعرّض له المصنف وكون شيء بمعنى المفعول، وهو مشيء كما مرّ في البقرة بحسب الوضمع الأصلي، وقد يلاحظ فيه العموم فيحتاج إلى المخصص مع أنه وجه في المآل آخر للتخصيص فلا اعتراض به على المصنف رحمه الله كما توهم فما ذكره المصنف مبنيّ على أصولهم، وقد يرجع إلى أصولنا أيضاً فأعرفه. قوله: (يعني آم) عليه الصلاة والسلام قد مرّ تحقيقه وفوله
تنسل كتنصر تخرج، وتنفصل والسلالة الخلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية، وممتهن بمعنى مبذول وأصل التسوية جعل الأجزاء متساوية فلذا فسره بقوله قوّمه الخ وثم للترتيب الرتت أو الذكريّ لأنها قبل النسل* قوله: (إضافة إلى نفسه تشريفاً) إذ لم يقل روحا بل روحه تشريفاً له مع أنّ كل روح له، ومنه قيل بيت إدلّه وناقة الله تعظيما للمضاف وضمير له للإنسان أو للروح بتأويله بمخلوق، وقوله له مناسة ما إلى الحضرة الربوبية ظاهر في هذا أي انتساب إليها ولذا عداه بإلى وحضرة مصدر بمعنى حضور، والمراد المقام والمحضر وأقحم تأدّبا على ما عرف في الاستعمال ووجه المناسبة اتصالها بالعالم العلوفي، وتجرّدها عن التجسم وتصرّفها، وتوله من عرف نفسه الخ ليس بحديث بل هو من كلام أبي بكر الرازي كما ذكره الحفاظ، وبعض الجهلة يظنه حديثا كما وقع في بعض كتب الموضوعات، وقيل ليس معناه ما ذكر بل معناه من عرف نفسه، وتأمّل حقيقتها عرف أنّ له صانعاً موجدا له وإليه أشار تعالى بقوله ة ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [سورة الذاريات، الآية: ٢١] (قلت) ما ذكره المصنف رحمه الله سبقه إليه غيره وهو مناسب لكلام الحكماء