فقد دفع بأنّ المراد بالتوسط هنا وصول النعمة بيد المتوسط حتى كأنها من عنده وفيه نظر فإنه يكفي للحمد التسبب في الجملة فما ذكر غير صاف من الكدر. قوله: (الذي أحكم الخ) هو بيان لحاصل المعنى لأنّ ما يصنع بحكمه يكون محكما ولا حاجة إلى جعله إشارة إلى أنّ فعيلا بمعنى مفعل، وقد قال بعض أهل اللغة بعدم وجوده في كلام العرب، وقوله ببواطن الأشياء فسره به بناء على ما قاله بعض أهل اللغة من أن الخبرة تختص به لأنها من خبر الأرض إذا شقها لا لمناسبته لما بعده وإن كانت حاصلة، ثم إن علم الباطن سواء أريد الظاهر أو الخفيّ يستلزم غيره فلا يتوهم أنّ التعميم أولى كما قيل. قوله: (يعلم الخ) إمّا تفسير للخبير أو حال أو مستأنف، وقوله ينبع في آخر كأنه ذكر. ليعلم أنه نفذ فيها إذ لولاه لم يعلم أنّ في باطنها ماء أو المراد أنه يعلم بالنابع منها في أيّ موضع مبدأ نفوذه ولذا ذكر العيون فيما بعده فلا يرد أنه ينبغي أن يذكر هذا فيما بعده، والمراد بالحيوان المطلق لأنه كله مخلوق من التراب أو المتولد منه، والفلزات بكسر الفاء واللام وتشديد الزاي ما ينطرق ويذوب من المعدنيات، أو المراد به جميع المعدنيات كما ذكره الجاربردى والمقادير المراد بها مقادير الأعمار والأمور المقدرة، والأنداء جمع ند على خلاف القياس، وهو معروف وفي نسخة الأندية والولوح يكون بالوضمع فيها، ومعنى العروج معنى الاستقرار فلذا عداه بفي دون إلى والسماء جهة العلوّ مطلقا كما مرّ. قوله تعالى: ( ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ ) فذم الرحمة لأنها منشأ المغفرة أو للفاصلة، وقوله للمفرّطين الخ بناء على أنّ ذلك لهم في الدنيا وما بعده على أنه في الآخرة ولو عممه لهما كان أولى، وقوله مع ما له الخ إشارة إلى مناسبته لما قبله لأنه من أعظم النعم أيضاً فلا يتوهم أنّ المناسب لما قبله ذكر الكريم فاصلتها تذييل لما قبلها فينتظم أتمّ انتظام. قوله: (أو استبطاء استهزاء) هذا أيضاً إنكار إلا أنه يريد يتضمن الاسنهزاء والنفي فيه مجاز عن الاستبطاء وفي الأوّل هو على حقيقته، وقوله وتأكيد لما نفوه لأنّ بلي لإثبات ما نفى فقوله لتأتينكم تأكيد على تأكيد كما أشار إليه بقوله تكرير لإيجابه أي لإيجاب المجيء، وقيل المعنى لما أوجبه بلى. قوله: (مقرر الوصف المقسم به) وهو ربي ووصفه عالم
الغيب، وجعله وصفاً لا عطف بيان أو بدلا لأنه أريد به الدوام والثبوت فإضافته محضة معرّفة أو المراد بوصفه الربوبية والصفات عدم غروب شيء عن علمه وجزاء المحسنين وما تضمنه ذلك، وقوله تقرّر إمكانه أي إمكان ما أنكروه من مجيء الساعة ولم يقل تقرّر وقوعه اقتصاراً على مقدار الكفاية في ردّ استبعادهم بأنّ علمه محيط بجميع الأشياء فيعلم أوقاتها، وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم فيظهرها على ما اقتضته حكمته، وتعلقت به مشيئته كما فصله في سورة الأنعام. قوله: (ويؤيده القراءة بالفتح) أي النصب لأنه شبيه بالمضاف ولا حاجة إلى تخريجه على لغة فيه كما ذكره النحاة في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا مانع لما أعطيت "، ووجه التأييد أنها من النواسخ فاسمها مبتدأ في الأصل، والعطف فيه غير متجه كما بينه بقوله ولا يجوز الخ. قوله: (لآنّ الاستثناء الخ) أي لأنّ الاستثناء حينئذ إذا كان متصلاً يقتضي أنّ ما في الكتاب وهو اللوح المحفوظ عزب عنه فغاب عن علمه وليس كذلك، وقوله اللهم الخ إشارة إلى ضعفه كما هو معروف في الاستعمال والمعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة، قال أبو حيان: ولا يحتاج إلى هذا إذا جعل الكتاب ليس اللوح المحفوظ، وأمّا ما قيل عليه من أنه لا يساعده المعنى لأنّ الغيبيّ إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقي في الغيب على ما كان عليه مع بروزه فمعناه أنّ كونه في اللوح كناية عن كونه من جملة معلوماته، وهي إمّا مغيبة وأمّا ظاهرة وكل مغيب سيظهر والا كان معدوما لا مغيبا، وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيبا فلا يكون الاستثناء متصلاً ألا تراك لو قتل علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم، ويشاهدونها لم يكن هذا الاستثناء متصلا ومن لم يقف على مراده قال: كيف يبقى من الغيب على ما كان والغيبة والبروز صفتان متقابلتان ينافي الاتصاف بأحدهما الاتصاف بالآخر فتأمل، وإذا كان الاستثناء منقطعا فالمعنى أنّ ما في اللوح يطلع عليه في الملأ الأعلى فليس بغيب، وكذا إذا كان المعنى