على الأخرى إذا كانا من الصفات الذاتية وقد فسر السبق في الحديث بالغلبة، وقد حمل عليه كلام المصنف فالإشعار ظاهر لتخصيص الرحمة في الأوّل وتشريكها مع الغضب في الثاني الدال على غلبتها كما قيل، وقوله وفي ذلك أي تفسيرها ولو جعله من تقدّمها في الذكر كان أظهر لكن تفسيره دون مقابله المقتضى لقصده والاعتناء به مشعر بذلك فتدبر. قوله: (من بعد إمساكه) ويجوز تفسيره بغيه كما مرّ وهذا أولى لأتي هذا مستفاد من قوله فلا مرسل له فالأولى أن يفسر فلا مرسل الخ فلا قادر على إرساله سواه كما قيل، وقوله واتقان بالمثناة الفوقية ووقع في نسخة بالتحتية والأوّل هو الصحيح، وقوله الملك المراد به عالم الشهادة الدال عليه ذكر السموات والأرض والملكوت عالم الغيب الدال عليه قوله جاعل الملائكة. قوله: (احفظوها بمعرفة حقها) فليس المراد مجرّد ذكرها باللسان بل الاعتراف بها على وجه يقتضي أداء حقوقها كما يقول الرجل لمن ينعم عليه اذكر أيادفي عندك فهو كناية عما
ذكر كما بينه الزمخشريّ. قوله: (ثم أنكر الخ) إشارة إلى أنّ الاستفهام في قوله هل من خالق الخ إنكاريّ فإن قلت قد قال الرضى وغيره من النحاة في الفرق بين الهمزة وهل أنّ الهمزة ترد في الإثبات للاستفهام والإنكار وهل لا تستعمل للإنكار قلت قد أجيب عنه بأن الإنكار ثلاثة أقسام إنكار على مدعي الوقوع كقوله: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ﴾ [سورة الإسراء، الآية: ٤٠] ويلزمه النفي وانكار على من أوقع الشيء نحو أتضربه وهو أخوك وانكار لوقوع الشيء وششعمل هل في الأخير دون الأوّلين وهذا معنى قولهم الاستفهام بهل يراد به النفي كما في المغني، وهو الذي أراده الرضى واعترض عليه بأن كلام المفتاج وشرحه للشريف يخالفه حيث قال لا يصح أن يراد بالمضارع الداخل عليه هل معنى الحال سواء قصد الاستفهام أو الإنكار وفيه نظر لأنّ الإطلاق لا ينافي التقييد. قوله تعالى: ( ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ ) في الكشاف إنه جفلة مفصولة لا محل لها مثل يرزقكم في الوجه الثالث ولو وصلتها كما وصلت يرزقكم لم يساعد عليه المعنى لأنّ قولك هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق غير مستقيم لأنّ قولك هل من خالق سوى الله إثبات لله فلو ذهبت تقول ذلك كنت مناقضا بالنفي بعد الإثبات، وهذا مما أشكل على شرّاحه ولهم فيه كلام طويل وكانّ المصنف ذهب إلى أنه غير مستقيم فلذا تركه واذا كان كذلك فلا علينا إن تركنا ما تركه. قوله: (للحمل على محل من خالق) وهو الرفع لأنه مبتدأ خبره يرزقكم أو مقدر وهو لكم لا غير لأنّ المعنى ليس عليه ومن زائدة للتأكيد، والوصفية لتوقله في التنكير حتى لا يتعرّف بالإضافة فلذا جوّز وصف النكرة به مع إضافته للمعرفة، وقوله فإنّ الاستفهام بمعنى النفي توجيه للبدلية بحسب المعنى والصناعة لأنّ غير الله هو الخالق المنفي ولأنّ المعنى على الاستثناء أي لا خالق إلا الله والبدلية في الاستثناء بغير إنما تكون في الكلام المنفيّ لا توجيه لزيادة من ولا للابتداء بالنكرة كما قيل لأنه ليس في الكلام ما يدلّ عليه. قوله: (أو لآنه فاعل خالق) معطوف على قوله للحمل أي رفعه على أنه فاعل لخالق، وهو حينئذ مبتدأ لا خبر له ولا وجه لتوقف أبي حيان بأنه لم يسمع إعماله مع زيادة من فإنّ شرط الزيادة والإعمال موجود من غير مانع فالتوقف من غير داع لا وجه له غير التعنت. قوله: (أو استئناف مفسر له) على أن خالق فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور وأصله هل يرزقكم خالق ومن زائدة في الفاعل، وقد اعترض على هذا الوجه بأنه قبيح شاذ في العربية فلا ينبغي حمل كلام الله عليه لأنّ هل لا تدخل على الاسم إذا كان في حيزها فعل نحو هل زيد خرج لاختصاصها بالأفعال في الأصل لكونها بمعنى قد وأصل هل أهل لكن استغنى عن
الهمزة للزومها لها، ثم تطفلت على الهمزة في الدخول على جملة اسمية فإذا رأت الفعل في حيزها حتت لألفها المألوف على ما فيه كما فصل في النحو وقد أجيب عنه بأنّ الزمخشريّ لا يسلم ما قالوه كما صرّح به في المفصل لأنّ حرف الشرط كان مثلاً ألزم للفعل من هل لأنه لا يجوز دخوله على الجملة الاسمية كما دخلت عليها هل وقد جاز عمل الفعل مقدراً بعدها على شريطة التفسير كقوله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ﴾ [سورة التوبة، الآية: ٦] فيجوز في هل بالطريق الأولى وهذا أحسن مما قيل إنه أراد به ذكر جملة الوجوه المحتملة، وان كان بعضها غير جائز أو مستحسن كهذا وأمّا قول الطيبي إنّ هذا يحسن من البليغ إذا كان يتضمن معنى بليغاً مما يختص بالإضمار والتفسير كالإبهام، ثم التفسير وكون