وصعودهما إمّا بناء على عطف العمل على الكلم أو لاستلزام الرفع له، وقوله مجاز أي مرسل بعلاقة اللزوم أو استعارة بتشبيه القبول بالرفع إلى مكان عال. قوله: (أو صعود الكتبة بصحيفتهما) فيجعل الكلم والعمل مجازا عما كتب فيه بعلاقة الحلول، والتجوّز في النسبة أو يقدر فيه مضاف أو يشبه وجوده الخارجي في السماء وكتابته فيها بالصعود فهو استعارة تبعية، وقوله للكلم فإنه يذكر ويؤنث، وفي قوله لا يقبل إشارة إلى أنّ الرفع كالصعود مجاز عن القبول أيضا، وقوله ويؤيد. الخ فهو من الاشتغال، وقيل في وجه التأييد أن الأصل توافق القراآت وفي هذه تعين الكلم للرّافعية والعمل للمرفوعية فتحمل عليه قراءة الرفع وفيه أنه كيف يتعين مع جواز أن يكون الرافع هو الله كما سيأتي فتأمّل. قوله: (أو للعمل) والضمير المنصوب للكلم وتحقيق الإيمان بإظهار آثاره إذ بها يعلم التصديق القلبي، وتقويته بتثبيته لا رفع قدره وقوله وتخصيص العمل الخ أي إذا كان الضمير لله فجعله مخصوصاً بالذكر ونسبة رفع الله له لأنّ الضمير البارز له لا لهما ولا لصاحبه كما قيل سواء كان العمل مبتدأ أو معطوفا لأنّ فيه كلفة ومشقة إذ هو الجهاد اكبر وفيه إشارة إلى أنّ الرفع بمعنى الشرف. قوله: (وقرئ يصعد من الإصعاد على البناءين) أي مبنياً للمعلوم والمجهول والفاعل المصرح به والمحذوف من ذكر فالكلم إمّا منصوب أو مرفوع، وقوله وعنه الخ رواه الحاكم والبيهقي والطبري عن ابن
مسعود رضي الله عنه، وقوله فحيا من التحية يقال حياه الله أي أبقاه فهو في الحياة، وقيل إنه من استقبال المحيا وهو الوجه وهو المناسب هنا على سبيل الاستعارة فالمعنى أنه يستقبل به الله والمراد رجاء رضا الله به، وقوله فإذا لم يكن الخ أي على هذا التفسير والمراد لم يقبل قبولاً كاملاً إن لم يرد ما يشمل العمل القلبي كالتصديق. قوله: (المكرات السيآت) يعني السيآت منصوب على أنه صفة المصدر لأنّ مكر لازم وقد جوّز نصبه على تضمين يقصدون أو يكسبون وعلى الأوّل فيه مبالغة للوعيد الشديد على قصده أو هو إشارة إلى عدم تأثير مكرهم، ودار الندوة دار بمكة كانوا يجتمعون فيها للمشاورة وفصل الأمور والندوة الاجتماع ومنه النادي وقصتها مشهورة، والتداور تفاعل بمعنى دارة للرأي فيما بينهم والمحاورة فيه. قوله: (لا يؤبه دونه) يقال لا يؤبه ولا يعبأ بضعنى يعتدّ به يعني أنّ ما مكروا به لا يعتد به بالنسبة للعذاب المعدّ لهم عند الله، وقوله يفسد أصل معنى البوار الكساد أو الهلاك فاستعير هنا للفساد وعدم التأثير لأنّ الكاسد يكسد لفساده ولأنّ الهالك فاسد لا أثر له. قوله: (لأنا الأمور مقدّرة لا تتغير به) أي بمكر أولئك ليس فيه حصر التأثير في التقدير ونفي اختيار العبد وكسبه حتى يكون على مذصب الجبرية كما توهم بل إن ما قدره الله لا يتغير كما أن ما علمه كذلك، ولا حاجة إلى أن يقال المراد بالأمور أمور النبوّة فقط لأن للتقدير فيها تأثيراً ظاهرا لا يتغير ومثله بعدما قرّر من مذهب الأشاعرة في الكلام تعصب فتأمل. قوله: (كما دل عليه بقوله والله) إلى آخر الآية فإنه دل على أنّ كل ما يقع جار على مقتضى علمه وقدرته، وقوله بخلق آدم الخ تقدّم فيه وجوه أخر فتذكرها. قوله: (إلا معلومة له) من في قوله من أنثى مزيدة في الفاعل، وقوله بعلمه حال منه أي ملتبسة بعلمه وليس فيه تصريح بذي الحال لكن الظاهر أنه الحامل والواضع لا المحمول والموضوع لعدم ذكرهما، ولا الحمل والوضع نفسهما لأنه خلاف الظاهر والمراد العلم بحملها ووضعها تفصيلاً لقوله، ويعلم ما في الأرحام لأنه لو قصد العلم بذاتها لم يكن لذكر الحمل والوضع فاثدة فلا يتوهم أنه لا يلزم من العلم بالحامل العلم بحملها، وسيأتي تفصيله في حم السجدة. قوله: (وما يمدّ في عمره من مصيره إلى الكبر) إمّا أن يريد أن معمر من مجاز الأول كقوله من قتل قتيلا لئلا يلزم تحصيل الحاصل كما قيل أو أن يعمر مضارع فيقتضي أن لا يكون معمرا بعد ولا ضرورة للحمل على الماضي كما قيل، وأما ما أورد على الأوّل من أنه لا يلزم من تعمير المعمر تحصيل الحاصل فرده معلوم مما مرّ تحقيقه في قوله
هدى للمتقين كما فصله في الكشف. قوله: (من عمر المعمر لغيره) اللام متعلقة بينقص ولا حاجة لجعله للبيان أي هذا النقص كائن لغيره فالضمير راجع للمعمر، والنقص لغيره إذ من عمر لا يتصوّر النقص من عمره فليس في إرجاع الضمير له إباء عنه كما توهم، وليس هذا بعد تأويله بالصيرورة مستغنى عنه أيضا فتدبر، وقوله بأن يعطي الخ أوله به بأنه لا يمكن الزيادة والنقص في شيء واحد.


الصفحة التالية
Icon