الواجب والممكن فمن اصطلاج المتكلمين والفلاسفة وفيه نظر، وتحقيق هذا أن لو لها استعمالات استعمال أهل اللغة وهو انتفاء الثاني لانتفاء الأوّل نحو لو كان لي مال أحسنت إليك، واستعمال أهل الاستدلال وهو دلالة انتفاء الثاني على انتفاء الأوّل نحو ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [سورة الأنبياء، الآية: ٢٢] أو دلالة تحقق الأوّل على تحقق الثاني نحو لو كان العالم حادثا لكان الصانع مختارا فهذه ثلاثة معان مشهورة ورابع لم يشتهر لكنه ورد في فصيح الكلام، وهو ثبوت الجزاء على كل حال نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وقد ذكر المدقق في الكشف في الآية وجهين أحدهما أنّ المعنى لو اراد اتخاذ الولد لامتنع أن يريده فالضمير راجع إلى ما دل عليه أراد لا إلى الاتخاذ، وحاصله لو أراد اتخاذ الولد امتنعت تلك الإرادة لتعلقها بالممتنع أعني اتخاذ الولد، ولا يجوز على البارى إرادة الممتنع لأنها ترجح بعض الممكنات فأصله لو اتخذ الولد امتنع فعدل لما ذكر لأنه أبلغ، ثم حذف الجواب وجيء بدله بقوله لاصطفى الخ تنبيها على أنه هو الممكن دون الأوّل فلو كان هذا من اتخاذ الولد في علمه لجاز، وليس منه فهو كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن تزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن
والثاني أنه أراد بقوله لو أراد نفي الصحة على كل تقدير كقوله نعم العبد صهيب الخ فلا
ينفي الثاني، ولا يحتاج إلى بيان الملازمة فالمعنى الممكن الاصطفاء، وقد اصطفى وهو أيضا على أسلوب البيت المذكور ورجح هذا المحقق في شرحه وهذا مبنيّ على تفسير الاصطفاء فإن كان مجرّد اختياره لأحد من مخلوقاته فهو واقع، وان كان اصطفاؤه واختياره للنبوّة بأن يختار الأفضل الأكمل لها فيكون ردّاً عليهم في نسبة البنات له يكون منفيا هذا تحقيق المقام بما يزيل الأوهام فما ذكرناه عن أرباب الحواشي كلام سطحيّ لا حاصل له فتنبه. قوله: الا يماثل الخالق فيقوم مقام الولد) هذا بناء على أنّ المراد الاصطفاء للنبوّة، وقوله فيقوم مقام الولد، وإن
كان الكفار أثبتوا له نفس الولد لا ما يقوم مقامه كما مر في الصفات لأنه أراد نفيه بطريق أبلني كما عدل في النظم عن الاتخاذ إلى الإرادة لأنّ نفي ما يقوم مقامه أبلغ من نفيه فلا يرد عليه أن المقتضى للمماثلة الجنسية الولد لا ما يقوم مقامه كما قيل. قوله: (ثم قرر ذلك بقوله سبحانه الخ) أي عدم مناسبة المخلوق الخالص واستحالة الولد عليه تعالى عن ذلك علؤا كبيراً ونفي الأولياء بذكر ما ينافيه إجمالاً بقوله سبحانه تنزيها له عن الوليّ، والولد وتفصيلاً بوصفه بأنه واحد لا صاحبة له، ولا ولد قهار غالب لكل شيء فلا وليّ له هذا على اتصال قوله سبحانه الخ بقوله والذين اتخذوا من دونه أولياء الخ كما في الكشاف، وعلى ظاهر كلام المصنف اتصاله بما يله من نفي الولد فقط كما سنبينه، وقيل ذلك إشارة إلى بطلان المقدم أو التالي. قوله: (المستلزم للوحدة) في نفس الأمر وفي العقل كما مرّ مع ما فيه، وهذا بيان لكونه مقرراً لما قبله وقوله للوحدة الذاتية أي المنافية للكثرة في الذهن والخارج بحسب الأفراد أو الأجزاء كما هو مذلل في الكلام فمنع استلزام الوجوب الوحدة المنافية للأجزاء الذهنية التي ينتزعها الذهن من الفرد البسيط إن أراد الاستلزام في نفس الأمر فهو باطل وان أراد عند العقل فكذلك لأنه ليس المراد اللزوم البين بالمعنى الأخص كما مرّ فتدبر. قوله: (وهي) أي الوحدة تنافي المماثلة لاقتضائها المشاركة في بعض الذاتيات أو العوارض وهو يستلزم التركيب الذهني كما أشار إليه بقوله لأن كل واحد الخ، وقوله والتعين المخصوص بناء على ما ذهب إليه بعض الحكماء من دخول التعين في حقيقة الفرد، وجمهور المتكلمين على أنه خارج عنها، وفيه كلام لا يحتمله هذا المقام. قوله: (والقهارية الخ) هذا بناء على أن القهار مقر ولنفي الولد وعلى ما ذهب إليه الزمخشريّ من تقريره لنفي الولد هو ظاهر أما على هذا فلما ذكره من أنّ القهارية المطلقة المنصرفة إلى القهر الكامل بأن يكون قاهراً لكل ما سواه منافية للزوال لأنه لو قبله كان مقهوراً إذ المزيل قاهر له، ولذا قيل سبحان من قهر العباد بالموت، والولد يطلب ليقوم مقامه بعد زواله فإذا لم يكن الزوال لم يكن له حاجة إلى الولد، وأما كون الحاجة إلى الولد غير منحصرة في قيامه بعد زواله كما قيل فيرد بأنه أعظم فوائده عندهم فهو إلزام لهم حسب اعتقادهم فتدبر، والقهارية منصوبة أو مرفوعة بعطفه على الألوهية أو هي. قوله:)


الصفحة التالية
Icon