ثم استدل على ذلك) أي على الألوهية الحقيقية والوحدة الذاتية، وتطلق القهارية لا على الأخيرة فقط كما قيل لأنّ الإله الحقيقيّ المنزه عن المثل القهار المطلق هو الذي خلق مثل هذه المخلوقات بحكمته التي لا يقدر عليها سواه، وجعلها مسخرة منقادة. قوله:) يغشى كل واحد منهما الآخر
الخ) التكوير اللف والليّ من كار العمامة على رأسه وكورها، وفيه كما في الكشاف أوجه أن يكون الليل والنهار خلفة يذهب هذا، ويغشى مكانه هذا واذا غشي مكانه فكأنه ألبسه ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس، أو كل واحد يغيب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار، أو أنّ هذا يكرّ على هذا كروراً متتابعاً يشبه تتابع أكوار العمامة فقيل إنه جعل غثيان الليل والنهار أحدهما مكان الآخر، وجعله محيطا بكل ما أحاط به الآخر حتى صار بمنزلة لباس بمكانه بحيث يصير أسود مظلماً بعدما كان أبيض منيرا وبالعكس تكويرا لأحدهما على الآخر ولفاعليه، والثاني أنه شبه تغييب أحدهما الآخر عند طريانه عليه بلف ساتر على ظاهر ليخفى بعد الظهور، وهو معنى تكويره عليه والفرق بين هذا، وبين الأول قليل جدا، وهو أن في الأول مع اعتبار الستر اعتبار الليّ واحاطة الجوانب وما أشعر به ظاهر كلامه من أنه اعتبر في الأول التشبيه في الفعل، وفي الثاني في المتعلق أعني المطروّ عليه إنما هو للتوضيح والمقصود واحد وهو التشبيه في الفعل لأنه على الوجهين استعارة تبعية استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسن ولا يبعد أنه جعله في الثاني استعارة بالكناية، والتكوير تخييلية قرينة لها أو تحقيقية كما في نقض العهد، وفي الثالث تمثيل وجهه منتزع من عدة أمور كر هذا على ذاك وبالعكس على سبيل التتابع والتلاف كما في العمامة لكنه ثمة على التظاهر، والاجتماع وهنا على التعاور والانقطاع، والذي يظهر في الفرق بين الوجوه الثلاثة مع احتمال التبعية والمكنية والتخييلية والتمثيلية أن تكوّر أحدهما على الآخر إما مجاز عن جعل أحدهما خلفا عن الآخر كما في قوله تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ﴾ [سورة الفرقان، الآية: ٦٢] ويكون معنى تكوير أحدهما على الآخر وستره له ستره لمكانه على أن فيه مع التجوّز في الطرف، أو المجموع تجوّزاً في النسبة وفي الثاني معنى التكوير فيه تغييب أحدهما للآخر كما في قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [سورة الليل، الآية: ا- ٢] وان لم يعتبر فيه ما ذكر فالفرق بينهما ظاهر وليس قليلاً كما قالوا، وفي الثالث المقصود تعاقبهما كروراً ومروراً كما في قوله: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [سورة الأعراف، الآية: ٥٤، فالمقصود تطبيق الوجوه على ما صرّح به في غيره من الآيات مع اختلاف المعنى المتجوّز عنه، فما قيل من الفرق بين الوجهين الأولين إنّ المراد من التغييب إدخال أحدهما في الآخر، وبالعكس بالزيادة والنقصان فيظهر الفرق بينهما مع أنه لا حاجة إليه ليس في الكلام ما يدل عليه، وفيما ذكرناه لك غنية عنه وكلام الشيخين صريح فيه. قوله: (منتهى دوره) بتمام البروج ومنقطع حركته يوم القيامة، ومر في سورة فاطر وجه آخر، وقوله الغالب قال شيخنا المقدسي إطلاق الغالب على الله لم يرد لكنه اشتهر على الألسنة في القسم،
والطالب الغالب ولا أعلم ما أصله وعند من لم يشترط السماع في التوصيف لا إشكال فيه. قوله: (حيث لم يعاجل بالعقوبة الخ) فسر الزمخشريّ هنا العزيز الغفار بالقادر على عقاب المصرين الغفار لذنوب التائبين، أو الغالب الذي يقدر أن يعاجلهم بالعقوبة وهو يحلم عنهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى فسمي الحلم عندهم مغفرة، ولما كان تفسيره الأوّل مبنيا على مذهبه تركه المصنف، وأشار إلى الرد عله حيث عدل عن قوله القادر على الخ إلى ما ذكره واختار تفسيره الثاني في الغفار لأنه أنسب بالمقام إذ هو كالتذييل لما قبله من اتخاذ أولياء دونه ونسبتهم إليه ما لا يليق بجلاله فالمناسب أن يقال وهم لما كفروا ونسبوا لذاته ما لا يليق مع قدرته لا يعجل عقابهم، ولا يقطع عنهم إحسانه فسبحانه ما أعظم شأنه فاستعمل المغفرة التي هي ترك العقاب في الحلم الذي هو ترك التعجيل للمناسبة بينهما في الترك فهو استعارة، ويجوز كونه مجازاً مرسلا والأوّل أبلغ وأحسن وهذه الصنائع خلق الأجرام العظام لنفع الأنام وتسخير النيرات. قوله: (استدلال آخر بما أوجده الخ) أي هذا استدلال آخر على ألوهيته، ووحدته مع ما فيه من تقرير قدرته وقدّم الاستدلال بما في الآفاق


الصفحة التالية
Icon