الخسران والذي يهمك علمه أنه هل يستوي من يجتهد في العبادة وغيره، والمقصود الترغيب في الطاعة والتسلية له وللمؤمنين فتأمّل.
قوله: (بتخفيف الميم (وادخال همزة الاستفهام على من، ونقل عن الفراء أنّ الهمزة فيه للنداء بمعنى يا تقليلاً للحذف وهو بعيد لأنه لم يقع في القرآن نداء بغيريا فالمعنى يا من هو قانت قل الخ. قوله: (حالان الخ (ولا حاجة إلى جعله حالاً من ضمير يخذر مقدما من تأخير من غير ضرورة داعية لذلك، وقوله والواو للجمع بين الصفتين توجيه للعطف هنا وتركه في قوله ساجداً بأن القنوت لما كان مطلق العبادة لم يكن مغايراً للسجود والقيام فلذا لم يقرن بالعاطف بخلاف السجود والقيام فإنهما وصفان متغايرأن فلذا عطف أحدهما على الآخر كما في قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ [سورة التحريم، الآية: ٥] وقيل إنه توجيه للعطف مع أنّ ذات الساجد والقائم متحدة بأنه نزل تغاير الصفتين منزلة تغاير الذاتين وفيه نظر، وكذا ما قيل إنه يعني أنّ كلاَ منهما عبادة منفردة لكن لا يخفى فضيلة الجمع بينهما إذ لا محصل له. قوله: (في
موقع الحال) من ضمير قانت أو ساجدا أو قائما، وقوله للتعليل لأنه جواب سؤال تقديره لم يجتهد في العبادة والعبودية فقيل لأنه يحذر الخ. قوله: (نفي لاستواء الفريقين (المؤمن والكافر أو المطيع، والعاصي وقوله بعد نفيه باعتبار القوة العملية إشارة إلى أنّ المراد بالذين يعلمون العاملون المعبر عنهم بالقانت المذكور سواء كنت أم متصلة أم منقطعة لأنّ هل يستوي الخ نفي للمساواة بين القانت المطيع وغيره، وهو المراد بالعالم هنا ليكون تأكيداً له وتصريحا بأنّ غير العامل كان ليس بعالم، وقوله على وجه أبلغ للتصريح فيه بالاستواء بعد الدلالة عليه بالهمزة وأم وذكر النفي بالاستفهام الإنكاري على من يسوي بينهما، ومزيد فضل العلم من في المساواة بين من اتصف به، ومن لم يتصف الدال على نفي المساواة بين العلم والجهل بالطريق الأولى. قوله: (وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه (عطف على ما قبله بحسب المعنى إذ التقدين الذين يعلمون والذين لا يعلمون هم القانتون، وغيرهم فيتحدان بحسب المعنى أو المراد بالثاني غير الأوّل وإنما ذكر على طريق التشبيه كأنه قيل لا يستوي القانت وغيره كما لا يستوي العالم والجاهلا فيكون ذكره على سبيل التمثيل ففيه تأكيد من وجه آخر. قوله تعالى:) ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾ الخ) هو كالتوطئة لأفراد المؤمنين بالخطاب والإعراض عن غيرهم، وقوله مثوبة الخ يعني إن حسنة صفة مثوبة مقدر وجعل الحسنة من حسنات الآخرة لأن الثواب والعقاب فيها وجعل في الدنيا متعلق بأحسنوا ومقابلته به تقتضي ذلك، وتنوين حسنة للتعظيم وأما إذا جعل قيداً للحسنة على أنه كان صفة لها فقدم وهو مبين لمكان الحسنة، وأين وقعت فيشكل إعرابه لأنّ الصفة لا تتقدم مع الوصف فتصير بعد التقدم حالاً والمبتدأ لا يجيء منه الحال على الصحيح، وكونه حالاً من الضمير المستتر في الخبر لأنه ضميره فكأنه حال من خلاف المعروف في أمثاله، ولو جعل خبر مبتدأ البيان الحسنة والتقدير هي في الدنيا والجملة معترضة كان أحسن لا مستأنفة استئنافاً بيانيا في جواب سؤال أين هي لضعفه بتقدم السؤال على منشئه، ولو جعل قوله في الدنيا متعلقا بأحسنوا وحسنة على أنها لحسنات الدنيا والآخرة كان أعم وأتم ووجه ضعف القيل ظاهر، ولو قيل إنه يقال من حسنه على أنها فاعل الظرف سلم من التكلف لكنه على مذهب الأخفش وهو ضعيف. قوله: (فمن تعسر عليه الخ (وجه إفادة هذا التركيب
هذه المعاني الكثيرة أوضحه شراح الكشاف بأنّ قوله للذين أحسنوا الخ مستأنف لتعليل الأمر بالتقوى ولذا قيد بالظرف لأنّ الدنيا مزرعة الآخرة فينبغي أن يلقى في حرثها بذر المثوبات، وعقب بهذه الجملة لئلا يعتذر عن التفريط بعدم مساعدة المكان، ويتعلل بعدم مفارقة الأوطان فكان حثا على اغتنام فرصة الأعمال، وترك ما يعوق من حب الديار والهجرة فيما اتسع من الأقطار كما قيل:
إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي
قوله: (ومهاجرة الأوطان) هذا مأخوذ مما قبله وبه يتم الأخذ بالحجز، وقوله أجراً لا يهتدي إليه حساب الحساب كون الحساب نفسه غير مهتد تركيب بليغ ووجه الاستعارة فيه ظاهر، وقوله بغير حساب هوا المقصور عليه، وهو حال إمّا من أجرأ ومن الصابرين، وقوله أجرا الخ اختيار لكونه حالاً من أجرهم


الصفحة التالية
Icon