الاختصاص لأنّ السيد من شأنه أنه يرحم عبده ويشفق عليه، وهذا
كله يقتضي عموم المغفرة لمن طاب وغيره لعموم سببه فتأمل. قوله:) وتخصيص ضرر، الإسراف) لأنّ على للمضرة ومجرورها أنفسهم فإذا كان الضرر مقصوراً عليهم كما في قوله ومن أساء فعليها فكأنه قيل ضرر الذنوب عائد عليهم لا عليّ فيكفي ذلك من غير ضرر آخر كما في المثل أحسن إلى من أساء كفى المسيء فعله فالعبد إذا أساء، ووقف بين يدي سيده ذليلا خائفاً عالماً بسخط سيده عليه ناظراً لإكرام غيره ممن أطاع لضه ضرر إذ استحقاق العقاب عقاب عند ذوي الألباب فلا يتوهم أنّ ضرر الذنب العقاب فهذا دال على عكس المقصود، وقوله مطلقاً يعني من قيد كونه صغيرة أو ذكر توبة كما تقوله المعتزلة، وقوله عن الرحمة يتعلق بالقنوط أي اليأس، وقوله فضلا عن المغفرة يعني أنه إذا نهى عن اليأس من رحمة الله وتفضله علم النهي عن اليأس عن المغفرة بالطريق الأولى لأنّ الرحمة لا تتصوّر بدونها، وقوله واطلاقها بالجر أي وفضلا عن إطلاق المغفرة عن قيد التوبة لأنها تركت رأسا مع النهي ويجوز نصبه على أنه مفعول معه فيكون بيانا لإطلاقها في قوله: إنّ الله الخ والأوّل أولى فتأمّل. قوله: (وتعليله الخ) أي تعليل النهي المطلق فإنه يدل على اطلاقه كما مز، ووضع الظاهر موضع الضمير في رحمة الله وان الله مع أنّ مقتضى الظاهر الضمير فأتى باسم الذات الدال على استجماعه لجميع الصفات إشعاراً بأنه من مقتضى ذاته لا لشيء آخر من توبة، أو غيرها فهذا كله مع ما ذكر من وجوه التأكيد مؤكد للإطلاق. قوله:) وما روي الخ (مبتدأ خبره قوله لا ينفي عمومها أي عموم هذه الآية، وقوله لي أي موهوبة لي وفي ملكي، وقوله بها أي بهذه الآية فالباء للمقابلة والبدلية يعني لو خير بين أخذ الدنيا جميعها وبين إنزال هذه الآية عليه اختار الآية دون الدنيا وهو رد على الزمخشري إذ استدل بهذا الحديث على اشتراط التوبة لا جواب آخر كما قيل. قوله: (فقال رجل الخ) هذا الحديث رواه الطبراني والإمام أحمد والبيهقي وهو صحيح لكن في سنده ضعف كما قاله ابن حجر وقوله: ومن أشرك من العطف التلقيني على الذنوب في الآية فهو في محل نصب والمراد الاستفهام فالتقدير أو من أشرك، وقال الفاضل اليمني يحتمل أن يكون مرفوعا أي ومن أشرك موعود أو منصوبا أي وعد من أشرك أو مجرورا أي أيغفر ذنوب من أشرك، وهذه الوجوه جارية في قوله إلا ومن أشرك أيضا وإلا فيه حرف استفتاح. قوله: (فسكث ساعة ثم قال الخ) قال التفتازاني: فإن قيل: إن أريد بدون
التوبة والإسلام فلا مغفرة للشرك وان أريد معه فلا حاجة إلى السكوت لانتظار الوحي أو الاجتهاد بل لا وجه لسؤال السائل، والآية وردت في المشركين أو دخلوا دخولاً أوّلياً بلا خفاء قلنا: إمّا السؤال فللاستبعاد عادة لعظم الأمر، واما السكوت فلتعليم التأني والتدبر وعدم المسارعة إلى الجواب وإن كان الأمر واضحاً وايراد الحديث للدلالة على اشتراط التوبة، اهـ (أقول) هو رد على الطيبيّ تبع فيه صاحب الكشف، وكونه دالاً على اشتراط التوبة كما توهمه الزمخشري مما لا وجه له كما عرفته وكونه مع الإسلام لا شبهة فيه إنما الكلام في التوبة، والظاهر أنّ سكوته يوو للنظر في عموم المغفرة والإذن في التصريح به فإنهم ربما اتكلوا على المغفرة فيخشى التفريط في العمل وهو لا ينافي التعليم فإنه إنما يعلمهم التدبر بعد أن يتدبر هو في نفسه. قوله: (وما روي أنّ أهل مكة الخ) هذا الحديث في صحيح الببخاري لكن بغير هذا اللفظ، وقوله: فتنوا أراد به أنهم ارتدوا بعدما حملهم المشركون على الردة، ووحشيّ قاتل سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه لكنه أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه وقتل أيضاً مسيلمة الكذاب فكان رضي الله عنه يقول: قتلت خير الناس وشر الناس، وقوله: لا ينفي عمومها أي كما توهمه الزمخشريّ والمراد عموم سائر الذنوب مما تابوا عنه، أولم يتوبوا وما ذكر في سبب النزول من أنه في الذنب الذي سبق الإسلام ومغفرته بالإسلام الذي يجب ما قبله لا ينافي شموله لما وقع بعده فإنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص الحكم كما تقرّر في الأصول، وقوله: ولم نهاجر لأنّ ترك الهجرة في صدر الإسلام كان كبيرة ثم نسخ بعد فتح مكة ولا هجرة بعد الفتح. قوله: (وكذا قوله: وأنيبوا الخ (ردّ على الزمخشري أيضا لأنه قال ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة، وللدلالة على أنها شرط فيها


الصفحة التالية
Icon