ومعنى قوله: كذلك يضل الله الكافرين إنه تعالى حيرهم حتى فزعوا إلى الكذب مع علمهم بأنه لا ينفعهم وادعى أن ما اختاره المصنف لا يلائم الإضراب وليس هذا بشيء معتد به فإن ما ذكر هو المناسب للسياق لأنه من مقول القول وقع جوابا عن السؤال عما عبدوه في الجواب بأن الآلهة الباطلة ليست بموجودة أو ليست بنافعة، ثم أضربوا عن ذلك بأنها ليست شيئا معتداً به، وقد فقدت في وقت كان يتوهم نفعها فيه أو ظهور عدم نفعها فالظاهر أنهم معترفون بخطئهم والندم حيث لا ينفع، وقوله: يعتذ به يعني أنّ نفي الشيئية ليس على ظاهره إذ هو مقرر بل المراد به ذلك إمّا على تقدير صفة أو تنزيل الوجود منزلة العدم كما في قوله:
إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
قوله: (مثل هذا الضلال الم يقل إضلال إشارة إلى أن الإشارة لما سبق في قوله: ضلوا
عنا لا لما بعده كما في أمثاله فتدبر. قوله:) حتى لا يهتدوا الخ (يعني أن المراد ضلالهم في الدنيا وهذا على مذهب أهل الحق وهو إشارة إلى تفسيره على الوجه الىشاني في الضلال، وكونه بمعنى عدم النفع كما سنبينه وقوله أو يضلهم عن آلهتهم كذا في الكشاف، وقال الشارح: المحقق فسره بذلك لا بالخذلان جرياً على مقتضى المقام لقوله: قالوا ضلوا عنا بمعنى غابوا عنها من ضلت الدابة إذا لم يعرف موضعها، وهو مبنيّ على الجواب الأوّل من كون ضلالهم بمعنى غيبتهم وقت السؤال التوبيخي فقط أمّا على الثاني من كون الضلال عدم النفع فيتعين المصمير إلى الخذلان عنده، وعندنا إلى أن المعنى مثل هذا الإضلال يضل الله الكافرين حتى لا يهتدوا إلى ما ينفعهم في الآخرة إذ ليس للحمل على مثل ذلك الضلال، وعدم النفع بجعل الله الكافرين ضالين عن آلهتهم بمعنى عدم نفعهم للآلهة كبير معنى اهـ. قوله:) حتى لو تطالبوا الخ (أي لو طلبوا الآلهة وطلبتهم لم يتصادفوا بالفاء أي لم يلق بعضهم بعضاً وهو مبنيئ على الوجه الأوّل لكن قيل عليه إنّ قوله: ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق لا يلائم الإضلال بهذا المعنى، ورد بأن مآل المعنى عليه خيبة ظنهم وانعكاس رجائهم في الآخرة حيث كانوا يعتقدون فيهم أنهم يلاقونهم وينفعونهم فيها فأخبر بأق ذلك لذلك ولا يخفى أنه على هذا يكون هو الوجه السابق بعينه إذ يرجع إلى عدم النفع فيكون رده وارداً عليه، ومثله لا يخفى على الشارح المحقق فالحق في الجواب أن يقال الإشارة لا تتعين أن تكون للإضلال، وذكره على أحد الوجهين وعلى غيره فهو إشارة إلى سحبهم في الأغلال، وتسجيرهم في النار ونحوه
فتدبر. قوله: (تبطرون وتتكبرون الخ (بطر كفرح بطرا إذا أشرّ ونشط غروراً وعدم احتمال للنعمة وبغير الحق فسره بما ذكر ولو فسر بغير استحقاق للتكبر صح، وبين الفرج والمرج تجنيس حسن والمرح كما قال الرغب: شدة الفرح والتوسع فيه كما في قوله: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾. قوله: [سورة الإسراء، الآية: ١٣٧ ويقال: مرحى عند التعجب، وقوله: للمبا لغة في التوبيخ لأنّ ذمّ المرء في وجهه تشهير له، ولذا قيل النصح بين الملأ تقريع، وقوله: الأبواب السبعة الخ إشارة إلى قوله تعالى: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ [سورة الحجر، آية: ٤٤] وقد مر تفسيره وقوله مقدرين الخ اشارة إلى أنه حال مقدرة وقد مز تحقيقه وقوله جهنم هو المخصوص المقدر قوله:) وكان مقتضى النظم الخ) يعني حين صدر الكلام بلفظ ادخلوا ناسب أن يجاء في العجز بمدخل ليتجاوبا وأجاب بأنه إنما لم يناسبه إذا اكتفى بقوله: ادخلوا غير مقيد بالخلود ولما قيد به كان معناه مع التقييد معنى مثوى فصح التجاوب، وصار شبيهاً في المعنى بنحو صل في المسجد الحرام فنعم المصلي. قوله: (المقيد بالخلودا لأنّ قيد القيد قيد كشرط الشرط أو لأنّ تقديره يؤل إلى التحقيق فلا يتوهم أنه قيد بتقدير الخلود لأنها حال مقدرة كما عرفت، ومثل هذا الأمر مآله للاتحاد أيضا دون مجرّد الإيجاب والتفويض إلى الاختيار كأوامر التكليف. قوله: (وما مزيدة لتثيد الشرطية ولذلك (أي لتأكيدها بما جاز أن تلحقها نون التوكيد غالباً، وقال الزجاج إنه واجب وردّ بسماعه غير مؤكد كقوله:
فإمّا ترني ولي لمة فإنّ الحوادث أودى بها
لا! إن الشرطية يكون ما بعدها غير متحقق لإفادتها التردد والتأكيد لا يناسب إلا التحقق
فإذا أكد دل على أنه مما يهتم ويعتنى به فيدخل في حكم المتيقن، وقد نسب الجواز إلى سيبويه كما نقله أبو حيان على كلام


الصفحة التالية
Icon