وقال غيرهما: إنّ فيها مدنيا فاستثنى بعضهم أربع آيات من قوله: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [سورة الأنعام، الآية: ٩٠] إلى آخر الآيات الأربع واستثنى في الإتقان، أم يقولون افترى الخ فإنها نزلت في الأنصار، وقوله: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ﴾ [سورة الشورى، الآية: ٢٧] الخ فإنها نزلت في أصحاب الصفة رضي الله عنهم، واستثنى بعضهم أيضا والذين إذا أصابهم البغى الخ وسيأتي في كلام المصنف ما يدل على أنّ بعض الآيات مدنية كما ستراه في محله فكأنه بني ما هنا على الأغلب فيها، وفي عدد آياتها خلاف أيضا فقيل خمسون وقيل ثلاث وخمسون والخلاف في حم عسق وقوله: كلأعلام كما فصله الداني رحمه الله تعالى. قوله: (لعله اسمان الخ (كان الظاهر أن يقول لعلهما اسمان لكنه أفرده لتأويله بالمذكور، ونحوه وقد أيد كونهما اسما بأنه ورد تسميتها عسق من غير ذكر حم كما وقع في بعض النسخ هنا، وقوله: فصل بينهما أي في الخط، وان كان اسما واحداً فهو آية واحدة وحقه أن يرسم متصلا كما في كهيعص لكنه فصل لرسمه مستقلاً في غير هذه السورة لانفراده عن غيره من الحروف، وقوله: سائر الحواميم قيل عليه إنه قال في القاموس: حم إذا أريد جمعه يقال ذوات حم أو آل حاميم، ولا يقال: حواميم وقد جاء في الشعر اهـ وقد تبع فيه الحريري في الدرة وبعض النحاة، وقد ذكرنا في شرحها أنه لا صحة له وأنه ورد في الحديث الصحيح والآثار الثابتة ذكر " الحواميم " ولا يختص بالشعر فإن أردت تحقيقه فانظره. قوله: (أي مثل ما في هذه السورة من المعاني (يعني أنّ الجار والمجرور أو الكاف التي هي اسم بمعنى مثل في محل نصب على أنه مفعول به، والحروف المقطعة للاتعاظ واسم للسورة كما مر وإليه أشار بقوله هذه السورة، وقوله: أو إيحاء الخ يعني أنها واقعة في موقع المفعول المطلق والمشار إليه هو الإيحاء لا المعاني كما في الوجه السابق وقيل كلاهما تقدير للمفعول به وإنما الاختلاف في تعيين المشار
إليه ولم يجعله في محل رفع بالابتداء لافتقاره، إلى تقدير العائد وفي هذا غنية عنه كما قيل، وأورد عليه أن حذف الضمير الواقع مفعولاً قياسي مع أنّ جعل الإشارة إلى الإيحاء محوج إلى تقدير الموصوف أيضا والظاهر أن قوله كذلك يوحي جملة ابتدائية وقد ذكر في التلويح أن جار الله لا يجوّز الابتداء بالفعل، ويقدر المبتدأ في كل ما وقع فيه الفعل مستأنفاً واحتمال الحالية يمنعه أو يبعده حذف العامل المعنوي، والوقف على عسق ولا يخفى ما فيه فإن الكاف إن كانت اسما لم يحتج إلى تقدير وان كانت حرفا فالتقدير لازم فيها فبتقدير الضمير يكثر الحذف على ذلك التقدير، وما ذكره في التلويح ليس بمسلم وقد ترددوا فيه حتى قيل إنه لم يظهر له وجه فتأمل. قوله: (وإنما ذكر الوحي بلفظ المضارع (مع أن المعنى على المضي كما أشار إليه بقوله: أوحى الله إليك والوحي إلى ما قبله قد مضى والوحي إليه بعضه ماض وبعضه مستقبل، ولذا قيل إنه على التغليب، وأما قوله للدلالة على استمرار الوحي فقد أورد عليه إنه مباين لحكاية الحال الماضية فكأنه أريد بالاستمرار استمراره في الأزمنة الماضية فلا ينافيه، ولما كان الماضي لا دلالة له على الاستمرار عدل عنه للدلالة على ما قصد منه وإليه الإشارة بقوله: وإن إيحاء مثله عادته فما قيل من أن المراد أنه على أسلوب حكاية الحال الماضية، وصورتها وإن المباينة بين الاستمرار والحال التأويلي غير مسلمة وأن قصد الاستمرار مغن عن اعتبار معنى الحال لأنه معنى مستقل سواء كان تحقيقيا أو تأويلياً تخليط لا محصل له، ومصدر معطوف على مبتدأ. قوله: (والله مرتفع بما دل عليه يوحي) ظاهره أن المقدر فعل لا اسم بأن يكون في جوأب سؤال مقدّر تقديره من يوحي فيقدر حينئذ يوحي لا من الموحى فيقدر الموحي الله كما ذهب إليه في الكشاف، والمصنف رحمه الله لم يرتضه تبعاً للسكاكي كما قرره أهل المعاني في قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مماتطيح الطوائح
وقوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [سورة النور، الآية: ٣٦، رجال في حال القراءة به مجهولاً كما مر في سورة النور وهو بناء على الظاهر من جعل المقدر من جنس المذكور، وقال المدقق في الكشف إن الزمخشري اختار تقديره بالاسم بناء على تقدير السؤال ما الذي أنزله لا أي شيء أنزل كما مر فيما ذا أنزل ربكم لما في الأوّل من الدلالة على أن الفعل مسلم فلذلك قدره هنا من الموحي أي من الذي أوحى أي ذلك المعلوم المحقق وحيه بين لي من هو فالإيحاء مسلم معلوم، والغرض من الأخبار إثبات اتصافه بأنّ من شأنه الوحي لا إثبات أنه موح