وجهة الفوق أدل على عظمته تعالى لما فيها من آيات الملكوت كالعرش، والكرسي والملائكة ولذا كانت قبلة الدعاء مع تنزهه تعالى عن المكان والجهة، وعلى الثاني، وهو ما إذا كان انفطارها لنسبة الولد والشريك له تعالى فحينئذ كأنه قيل: هذه الشناعة تؤثر فيما فوقهم فكيف فيما تحت ومما يقضي منه العجب ما قيل المراد بالأوّل والثاني قراءة التفعل والانفعال. قوله:) وقيل الضمير للأرض) أي لجنسها فيشمل السبع ولذا جمع الضمير، وهذا جار على الوجهين ولا يختص بالثاني كما توهم. قوله:) بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم (فهو مجاز مرسل أو استعارة للسعي المذكور والأمور المقربة للطاعة كالمعاونة في بعض أمور المعاس أو دفع العوائق، وشموله للكفرة لأنهم قد يلهمونهم الإيمان المتوقف عليه المغفرة.
وقوله الخلل المتوقع قيده به لأنّ الخلل المقرر كخلود الكفار لا يسعى في دفعه وتخصيصه بالمؤمنين لقوله في آية أخرى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [سورة غافر، الآية: ٧، ولا
اً دري ما السبب الداعي لصرف الاستغفار عن ظاهره لا سيما إن خص بالمؤمنين، وقد ذكر مؤيدا في كتاب التوبة. قوله: (إذ ما من مخلوق الخ) إشارة إلى أنّ صيغة المبالغة لشمول رحمته ما لا يحصى من جميع الموجودات وسكت عن بيان ذلك في المغفرة لسعة مغفرته، وعظمتها لأنه يعلم بالقياس على الرحمة وفيه إشارة إلى قبول دعاء الملائكة واستغفارهم كما يشير إليه فيما سيأتي، وقوله والآية أي قوله والملائكة إلى هنا على تفسيره أوّلاً لقوله يتفطرن بأنه بيان لعظمته تعالى فيكون هذا مقرراً لما دلت عليه الآية الأولى، ومؤكدا له لأنّ تسبيح الملائكة وتنزيههم له وهم حافون بالعرس لمداومتهم لعبادته، والخضوع لعظمته والاستغفار لغيرهم للخوف عليهم من سطوة جبروته، والتكميل بقوله إلا أنّ الله الخ على هذا ظاهر وأما على الثاني، وإنّ انفطارهن لنسبة الولد والشريك فتسبيحهم تنزيه له عما يقوله الكفرة، واستغفارهم للمؤمنين الذين تبرؤا عما صدر من هؤلاء فالتذييل بالغفور الرحيم لعدم معاجلة العذاب مع استحقاقهم له كما أشار إليه بقوله: وانّ عدم الخ. قوله: (بموكل بهم الخ (يعني أنّ فعيلا بمعنى مفعول من المزيد أو الثلاثي، وقوله الإشارة إلى مصدر يوحى الخ أي الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد. على حد ما مرّ في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [سورة البقرة، الآية: ٤٣] فنصب قرآنا على أنه مفعول به ثم أنّ المصنف رحمه الله قدم كون الإشارة إلى المصدر هنا وأخره في أوّل السورة فقيل تقديمه هنا على الأصل لتقدم رتبة المفعول المطلق على غيره من المفاعيل، وثمة روعي فيه جانب المعنى يعني أنّ حم عسق لما أريد منه السورة كان الإشارة إليها أقرب وأظهر ولما لم يذكر قبله هنا ما يتبادر الإشارة إليه أجرى على الأصل، والظاهر أنه لما كان المتبادر أن قرآناً مفعول به رجح الإشارة إلى المصدر ليكون مفعولاً مطلقا، ولما لم يذكر ثمة رجح كونه مفعولا به ليستغنى عن التقدير. قوله:) أو إلى معنى الآية المتقدمة (أي الإشارة إلى معنى الآية السابقة من قوله الله حفيظ الخ والمعنى أنه كان حريصا على إيمان المشركين قيل له ليس في قدرتك هدايتهم، وإنما عليك البلاع الكافي والبيان الشافي وقد أورد عليه أنه لا حاجة إلى جعله إشارة إلى المعنى لصحة الإشارة إلى لفظه ومعناه كما يعرف بالتأمل لكن ما اختاره الشيخان أتم فائدة وأشمل عائدة كما لا يخفى، وستراه عن قريب. قوله: (وقرآناً عربيا حالا منه) على التجوّز في قرآنا أو عربيا لأن القرآنية والعربية صفة
اللفظ لا المعنى ولو جعلت الإشارة إلى اللفظ والمعنى جميعا كما مرّ لم يكن فيه تجوّز ويجوز نصبه أيضا على المدح أو البدلية من كذلك (قلت) قد سمعت وجه ما اختاره، وأمر التجوّز فيه سهل لقربه من الحقيقة لما بين اللفظ والمعنى من الملابسة القوية حتى يوصف أحدهما بما يوصف به الآخر مع ما في المجاز من البلاغة. قوله: (أهل أم القرى وهي مكة) على التجوّز في النسبة أو بتقدير مضاف، وقوله من العرب خصه بهم لأن السورة مكية، وهم أقرب إليها وأول من أنذر أو لدفع ما يتوهم من أنّ أهل مكة لهم طمع في شفاعته، وان لم يؤمنوا لحق الجوار والمفاربة فخصهم بالإنذار لإزالة ذلك الطمع الفارغ كما قاله: السمرقندي وقيل المراد جميع أهل الأرض! واختاره البغوي لأن الكعبة سرة الأرض والدنيا محدقة بما هي فيه أعني مكة. قوله: (وحذف ثاني مفعولي الآوّل الخ) الإنذار يتعدى لمفعولين ثانيهما يكون منصوبا ومجروراً بالباء تقول أنذرته كذا، وأنذرته بكذا فاقتصر في الأول على أول مفعوليه، وحذف ثانيهما إذ التقدير