قوله: (من الثظر بمعنى التأمّل) أي التفكر، والتدبر وهو تفعل من الأمل كما تقدم يقال نظر فيه إذا تأمّل، واليه إذا رآه وله إذا راعاه ومن كلام المأمون ما أحوجني إلى ثلاث صديق أنظر إليه، وفقير أنظر له وكتاب فيه. قوله: (والتنيير للمبالغة) أي لم يقل أم كذبت وهو أخصر وأشهر لأنّ هذا أبلغ لإفادته انخراطه في سلك الكاذبين، وعده منهم فهو يفيد أنه كاذب لا محالة على أتم وجه، ومن كان كذلك لا يوثق به لكنه أورد عليه أنّ أصدقت أم كذبت أبلغ هنا، وأنسب بالمقام لأنه على هذا اتهم بالكذب، وعلى ذاك علم كذبه فيتعين أنه لمراعاة الفاصلة، وليس بشيء لأنّ وجه المبالغة أنّ أحقر مخلوق إذا كذب بين يدي عظيم يخشى سطوته دل على أنه شديد الكذب حتى لا يملك نفسه في أيّ موطن كان فتدبر. قوله: (ثم تنح عنهم الخ) إنما حمله عليه لأنّ التولي بالكلية ينافي قوله فانظر إلا أن يحمل على القلب، وهو غير مناسب، وقوله تتوارى فيه أن تختفي، وفي نسخة فتوار فيه والتواري مأخوذ من السياق لأنّ نظره من مكان قريب يتبادر منه ذلك فسقط ما قيل إنه لا دلالة في الكلام عليه، والتعبير بالإلقاء والطرح
لأنّ تبليغه لا يمكن بدونه، وجمع الضمير لأنّ المقصود تبليغ ما فيه لجميع القوم. قوله:) ماذا يرجع بعضهم الخ) إشارة إلى أن رجع متعد فإنه يكون متعدّيا ولازماً، ومن القول بيان لماذا ولا يبعد أن يلهم الله ذلك الهدهد ما يفهم به الكلام، ولا ينافيه قوله انظر لأنه بمعنى تأمّل والتأمّل يكون للأقوال والأفعال ولا حاجة إلى جعل النظر مجازا عن مطلق الإدراك. قوله: (بعدما ألقى إليها) إشارة إلى أنّ فيه إيجازا كما في المثل السائر، والتقدير فلما أخذ الكتاب وذهب به وألقاه وقرأته قالت: وقيل إنه لا حاجة إلى التقدير لأنه مفهوم من سياق الكلام، وأنه استئناف جواب عن سؤال تقديره فما قالت لما صل إليها الكتاب. قوله: (لكرم مضمونه) يعني أنّ وصفه بالكرم إمّا لأنه بمعنى الشرف، وشرف الكتاب بشرف مضمونه كما في زوج كريم، وهو بهذا المعنى لا يختص بالإنسان أو الإسناد مجازي، أو هو بتقدير مضاف أي كريم مرسله وقد كانت عرفت شرفه، وعلوّ منزلته بالسماع أو هي عرفته من كونه مختوماً باسمه على عادة الملوك والعظماء واليه أشار بقوله لأنه الخ، وقد وقع في نسخة أو لأنه بالعطف فيكون كريما بمعنى مختوما قال في شرح أدب الكاتب يقال كرمت الكتاب فهو كريم إذا ختمته، وفي الحديث: " كرم الكتاب ختمه " وقال ابن المقنع من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به. قوله: (أو لغرابة شأنه الخ) يعني أنه لكونه كما ذكر أمراً غريباً يدل على شأن عظيم لمرسله، ومعناه فهذا وجه أعئم مما قبله، وقوله مستلقية بمعنى نائمة في الفراش، وقوله كأنه الخ إشارة إلى أنه استئناف بياني، وقوله أو العنوان وهو ما يكتب على ظاهر. لفظ من سليمان وهذا بقرينة الحال والمعتاد والا فالعنوان لم يذكر قبل، وقرئ بفتح إنّ فيهما على أنه بدل أو بتقدير لام التعليل قبله كما ذكره ومعنى أنه بسم الله الخ إنه هذا اللفظ أو ملتيس به. قوله: (ان مفسرة) بمعنى أي والمفسر
ألقى إليّ كتاب أو كتاب نفسه لتضمنهما معنى القول دون حروفه، ولا ناهية على هذا واذا كانت مصدرية فهي نافية، وضمير هو للكتاب بمعنى المكتوب كضميري إنه وتقدير المقصود ناظر إلى أنّ ضمير إنه الأوّل للعنوان والثاني للمضمون أي ما تضمنه باطنه، وأنه فيهما إمّا من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام أو بلقيس وكونه بدلاً من الكتاب إمّ على تقدير اللام أو على جواز تعدد البدل وفيه كلام للنحاة. قوله تعالى: ( ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ) إن كانت لا ناهية فعطف الأمر عليه ظاهر، وان كانت نافية وأن مصدرية فبناء على جواز وصلها بالأمر وعطف الإنشاء على الخبر لكونه في تأويل المفرد، وقوله مؤمنين بناء على معناه المتعارف وأنّ الإسلام، والإيمان متساويان وأنّ دعوته ل! يمان دعوة النبوّة لا الملك، وما بعده على أنّ المراد به معناه اللغويّ، وأنّ الدعوة دعوة الملك وقد رجح هذا بأن قولها إنّ الملوك الخ صريح في دعوة السلطنة ورد بأنّ اللائق بشأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن تكون دعوتهم وغضبهم لله، وهو الموافق للرواية هنا وقولها إنّ الملوك الخ لعدم تيقنها لبنوّته حينئذ. قوله:) وهذا الكلام في غاية الوجازة الخ) وجه الوجازة تضمنه لمعان كثيرة في ألفاظ قليلة لتضمنه الدلالة على ذات الله وصفاته


الصفحة التالية
Icon