لاستواء المعلومات عنده كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [سورة ادبقرة، الآية: ٧٧] ولذا قدم ما يسرّون فافهم. قوله: (كالبذور) تمثيل وخصه لظهوره وقوله: كالأمطار إشارة إلى أنّ السماء هنا بمعنى جهة العلو، وقوله: لا ينفك علمه، وقدرته الخ. فالمعية غير مكانية بل معنوية بمعنى ما ذكر وهو تمثيل، وقيل: مجاز مرسل بعلاقة السببية وقوله: فيجازيكم إشارة إلى أنّ الاطلاع عليه كناية عن الجزاء. قوله: (ولعل تقديم الخلق) في هذه الآية بقوله: خلق السموات الخ. على العلم في قوله: يعلم ما يلج الخ مع أنّ الخلق، والإيجاد من صفات الأفعال المتأخرة عن العلم الذي هو من صفات الذات فكان المناسب العكس إلا أنه عدل عنه لأنه دليله، والدليل من شأنه التقدّم على المدلول لتوقفه عليه، وتقدّم رتبته لأنا نستدل بخلقه، وايجاده المصنوعات المتقنة على أنه عالم. قوله: (ذكره مع الإعادة) أي مع ذكر المعاد هنا الدال عليه قوله، والى الله ترجع الأمور كما ذكره قبلى مع أمور المبدأ من الأحياء، والإماتة الواقعين في الدنيا لأنه كالمقدمة لهما لأنّ اختصاص ملك جميع الأشياء به وكونه متصرّفاً فيها يصحح الأحياء، والإماتة، ويوجب كونه مرجعا للأمور دون غيره، ودلالته على الإبداء ظاهرة، وعلى الإعادة لأنّ من خلقها يقدر على إعادتها كما قال: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم﴾ [سورة يس، الآية: ٨١]. قولى: (فهي في الحقيقة له لا لكم) فالخلافة إمّا عمن له التصرّف الحقيقي،
وهو الله وهو المناسب لقوله: له ملك السموات والأرض، أو عمن تصرّف فيها قبلهم ممن كانت في أيديهم فانتقلت لهم فالحث على الإنفاق، وتهوينه على الأوّل ظاهر لأنه أذن له في الإنفاق من ملك غيره، ومثله: يسهل إخراجه، وتكثيره، وعلى الثاني أيضا لأنّ من علم أنه لم يبق لمن قبله علم أنه لا يدوم له أيضا فيسهل عليه الإخراح:
وما المال والأهلون إلا ودإئع ولا بد يوما أن تردّ الودائع
قوله: (وعد فيه مبالغات) بينها بقوله: جعل الجملة اسمية لدلالتها على الدوام، والثبات
الأبلغ من غيره، وكان الظاهر أن تكون فعلية في جواب الأمر فيقال يعطوا أجراً كبيرا مثلاً، والجعل مصدر مبدل من قوله: مبالغات بدل اشتمال، واعادة ما ذكر إذ الظاهر أن يقال: فمن ذلك فله أجر كبير فاعيدا اهتماماً، واعتناء بهما وتنكير الأجر يفيد التعظيم كوصفه بأنه كبير، وهذا الوعيد فيه ترغيب لهم لا يخفى. قوله: (وبناء الحكم على الضميرا لما كان المتبادر من هذه العبارة أن يجعل الضمير مبتدأ مخبراً عنه بجملة، ونحوها ليتكرّر الإسناد وليس ما نحن فيه كذلك قيل: المراد أنه حكم بأنّ الأجر الكبير لهم بتقديم الضمير، وقيل: إنّ الضمير محكوم عليه معنى لا لفظا لأنّ محصل المعنى هم مختصون بأجر كبير. قوله: (وما تصنعون غير موّمنين الخ) يعني أنّ جملة لا تؤمنون حال، والعامل فيها معنى الفعل في مالكم كما قرّره النحاة، وفصله الرضي في باب المفعول معه، وما قيل من أنه لا منع من جعله حالاً من المجرور في لكم، والعامل متعلق الظرف كلام فاسد لأنهم إنما اتفقوا على أنّ العامل فيه معنى الفعل المفهوم من الجار والمجرور إذ المراد به ما يصنع لأنّ المعنى يقتضيه والمسؤول عنه في مالك، وما بالك وما شأنك وأمثاله هو الحال لأن معنى مالك قائماً لم قمت، ولا يؤدي هذا المعنى إلا ما يصنع بالقيام، ولو كان التقدير ما استقرّ لك في حال القيام كنت سائلا عما صدر منه في قيامه، وليس بمراد وذو الحال على كل حال هو الضمير، وكلامه يوهم أنه غيره على ما ذهب إليه المصنف رحمه الله فافهم، وقوله: ما لك قائماً إشارة لما قرّرناه. قوله: (حال من ضمير لا تؤمنون (فهي حال متداخلة، وقوله: أفي عدّر الخ إشارة إلى أنّ المسؤول عنه مضمون الحال كما قرّرناه، ولام لتؤمنوا صلة يدعو أو تعليلية، والى الأوّل ذهب المصنف رحمه الله كما أشار إليه بقوله: يدعوكم إليه فاللام بمعنى إلى لأنه يتعدى بها وباللام. قوله: (قبل ذلك) القبلية مأخوذة من جعله حال من أحد ضميري يدعو لتخالف الفعلين في الاستقبال، والمضيّ وفي نسخة قيل بالمثناة التحتية مجهول القول، وبعده وذلك الخ بالواو، وهي صحيحة أيضا لكن المعنى مختلف فيهما، والنسخة الأولى أصح رواية ودراية، وقوله: بنصب الأدلة الخ يعني أنه تعالى لما نصب الأدلة على وجوب الإيمان وخلق فيهم قوّة النظر فيها كان كأنه أخذ عنهم مواثيق، وعهوداً على الإيمان بما جاءتهم به الرسل، وهو المراد بقوله: ﴿وإذ أخذ ربك﴾ الخ على أحد الوجوه وفيه قول آخر ويصح حمل ما هنا عليه كما قيل، وقد مرّ تفصيله