قوله تعالى: ﴿لَكُم﴾ اللام فيه للتقوية أو للتعليل أي لأجل نفعكم من غير أن أسألكم ص ليه أجراً، وقوله وفي أن يحتمل الوجهان، وفي نسخة الوجهين يعني المصدرية والتفسيرية كما بيناه، وقوله: وهو ما سبق الضمير للبعض لأنه تفسير له بجعل من تبعيضية لا زائدة ولا مبينة لمقدر كما قيل، وتفسير البعض بأنه ما سبق لأنّ الإسلام يجب ما قبله أي يقطعه بمغفرته كما ورد في الحديث أو المراد به حقوق الله دون المظالم كما ذكره المصنف في غير هذه الآية، وهو المراد بما يجبه الإسلام وإن فهم منه الإطلاق في بعض المواضع فكان فيه اختلاف فتدبر. قوله: (هو أقصى ما قدّر لكم الخ) يعني أنه أجل معلق بالإيمان بأن يكتب في اللوح المحفوظ إنهم إن آمنوا يمتد عمرهم إلى مدة كذا، والا استؤصلوا وأهلكوا قبله وقد علم الله من يؤمن فيمتد عمره ومن لم يؤمن فيهلكه، وما علمه لا يتغير وهو قوله: إنّ الأجل الذي قدره الخ. قوله: (وقيل إذا جاء الأجل الأطول الخ) هذا ما ارتضاه الزمخشري، ولم يقبله المصنف وهاهنا أمران الأوّل أنه تال: أوّلاً يؤخركم فدل على أنّ الأجل قد يؤخر، ثم قال بعده: إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر فدل على خلافه، وبينهما تناقض بحسب الظاهر ودفع بأنّ الأجل أجلان قريب غير مبرم وبعيد مبرم وهو الأجل المسمى والمحكوم عليه بالتأخير على تقدير العبادة هو الأوّل والمحكوم عليه بامتناع التأخير هو الثاني لأنّ أجل الله حكمه المعهود، والمعهود هو الأجل المسمى فلا تناقض الثاني أنّ قوله: إنّ أجل الله الخ جملة مستأنفة للتعليل، والكلام في المعلل به فعند المصنف هو تعليق تأخيرهم إلى الأجل المسمى على العبادة أي أنّ الأجل الذي قدره
الله تعالى لا يؤخر فإذا لم يعبدوه لم يتجاوزوا الأجل إلا قصر إلى الأقصى وعند الزمخشريّ هو تعليل لما فهم من تغيبة التأخير بالأجل المسمى، وهو عدم تجاوز التاخير عنه ورجح الأوّل بأنه أنسب بمقام الوعيد وتوضيحه إنّ الذي يؤخر عنه والذي لا يؤخر الأجل الأقصر لكن التأخير عنه على تقدير انتفاء شرطه، وعدم التأخير على عدم تحققه فلا حاجة إلى حمل أنّ أجل الله على الأطول على أن يكون إظهارا في موضع الإضمار كما ذهب إليه الزمخشريّ بناء على أنّ هذه الجملة تعليل لما يفهم من تغيية التأخير الموعود بالأجل المسمى، وهو أنهم لا يجاوزونه بل لا بدّ من الموت فيه بعد النجاة من الموت بعارض يستأصلهم كما قيل:
ولم أسلم لكي أبقى ولكن سلمت من الحمام إلى الحمام
وهو عن المساق بمراحل، وعليه فقوله: (إذا جاء) الخ بيان للواقع، ويكون ما بين الأقصر والأطول من أوقات الإمهال والتأخير، وفساده غير محتاج للبيان والتقرير فتدبر. قوله: (فبادروا في أوقات الامهال والتأخير) هو على الوجهين لا على الأخير كما قيل لاحتياجه على الأوّل إلى انضمام أمر آخر وفيه بحث. قوله: (لو ك! م من أهل العلم والنظر) قال بعض فضلاء العصر: جمع بين صيغتي الماضي والمضارع للدلالة على استمرار النفي المفهوم من لو ونفى العلم عنهم بجعلهم كالأنعام وحذف جواب لو لاحتمال تعلقه بآخر الكلام وأوّله أي لو كنتم تعلمون شيئاً إن حذف مفعوله لقصد التعميم، أو إن كنتم من أهل العلم إن نزل الفعل منزلة اللازم كما اختاره المصنف لعدم احتياجه للتقدير، وقوله: والنظر إشارة إلى أنّ المنفي هو العلم النظري لا الضروري ولا ما يعمه فإنه مما لا ينبغي. قوله: (لعلمتم ذلك) هو جواب لو المقدرة والإشارة إلى عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر وهذا على تعلقه بآخر الكلام كما هو المتبادر، فإن تعلق بأوّله فالتقدير لسارعتم لما أمركم به لكنكم لستم من العلم في شيء فلذا لم تكونوا كذلك، وقوله: وفيه إنهم الخ يعني أنّ الجوأب تقديره لو علموه لعلموا ذلك فعملوا للنجاة منه، وهو مع ظهور. خفي على من اعترضى عليه بأنّ المشار إليه بذلك في قوله: لعلمتم ذلك ما مرّ من أنه عدم تأخير أجل الله عن وقته المقدر ولا يلزم من الشك فيه الشك في الموت نفسه، وقيل المراد الموت في وقت مجيء الأجل الأطول لا في الموت مطلقاً إذ السياق لا يساعده فتدبر. قوله تعالى: ( ﴿قَالَ رَبِّ﴾ ) استئناف للجواب عما علم مما قبله، وقوله: دائماً لأنّ مثله كناية عن الدوام، ولم يقل: أنذرت كما هو مقتضى ما قبله لأنّ الفرار من الدعوة لا عذر لهم فيه بخلاف الفرار من الإنذار. قوله: (وإسناد الزيادة إلى الدعاء) فإسناده مجاز إلى السبب وليس له فاعل حقيقي هنا أو هو