أو يقال كما حققه في الانتصاف أنّ المراد أنها مستمرّة، ولكن لزيادة ما بعدها على ما قبلها زيادة بينة ألحقت بالمباين كما في قوله وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين يعني أنّ عليه الطرد والرجم إلى يوم القيامة، فإذا جاء ذلك اليوم لقي ما ينسى معه اللعن مما هو أشدّ منه ونحوه ما ذكروه في لا سيما، ولو قيل المراد به التابيد لم يبعد مما ذكر. قوله: (ما دامت الدنيا) يحتمل أنّ المراد به التأبيد كما مرّ، فلا يرد أنّ ظاهر كلامهم أنه غاية لعدم الاستجابة لا للدعاء لمن لا يستجيب، فيحتاج إلى التوجيه بأنه ينقطع عدم الاستجابة حينئذ لاقتضائه سابقة الدعاء ولا دعاء ويردّ بقوله فدعوهم، فلم يستجيبوا لهم إلا أن يقال إنه دعاء على زعمهم، أو المنقطع حينئذ الاقتصار على عدم الاستجابة حينئذ كما يومى إليه قوله: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء﴾ وأمّا القول بأنه مفهوم فلا يعارض المنطوق، فيردّه ما في الدرر والينبوع عن البديع أنّ الغاية عندنا من قبيل إشارة النص لا المفهوم قال الزركشي في شرح جمع الجوامع: ذهب القاضي أبو بكر إلى أنّ الحكم في الغاية منطوق، وادّعى أنّ أهل اللغة صرحوا بأنّ تعليق الحكم بالغاية موضوع على أنّ ما بعدها خلاف ما قبلها لأنهم اتفقوا على أنها ليست كلاما مستقلاً فإنّ قوله: ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [سورة البقرة، الآية: ٢٣٥] وقوله: حتى يطهرن لا بدّ فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام وذلك أنّ المضمر إمّا ضد ما قبله أو لا والثاني باطل لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه فيقدر حتى يطهرن فاقربوهن حتى تنكح فتحل قال: والإضمار بمنزلة الملفوظ فإنه إنما يضمر لسبقه إلى ذهن العارف باللسان، وعليه جرى صاحب البديع من الحنفية فقال هو عندنا من دلالة الإشارة لا من المفهوم لكن الجمهور على أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك اهـ فقوله في التلويح أنّ مفهوم الغاية متفق عليه لا يخلو من الخلل. قوله تعالى: ( ﴿وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ ) ضميرهم وكانوا لمن لا يستجيب دعاءهم، ولهم وعبادتهم لمن يدعو حملاً على المعنى بعد الحمل على اللفظ وقوله: (لأنها إمّا جمادات) الخ إشارة إلى أنّ الغفلة مجاز عن عدم الفائدة فيها أو هو تغليب لمن يتصوّر منه الغفلة على غيره. وقوله: يضرّونهم فاعداء استعارة أو مجاز مرسل للضارّ. قوله: (مكذبين بلسان الحال) لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة ولا نفع لهم كما توهموه أوّلاً حيث قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ [سورة الزمر، الآية: ٣] ورجائهم الشفاعة منهم، والتكذيب بالمقال إذ قالوا: ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ قصدا إلى بيان أنّ معبودهم في الحقيقة الشياطين وأهواؤهم فلا يرد
عليه أنّ التكذيب بلسان الحال واقع قبل الحشر كما قيل. قوله: (وقيل الضمير) في كانوا في الموضعين للعابدين لئلا يلزم التفكيك، ومرضه لأنه خلاف المتبادر من السياق إذ هو لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه، ولأنّ كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم وتسميته كفراً خلاف الظاهر أيضاً. وقوله: (واضحات) الخ إشارة إلى وجهي التعدي واللزوم كما مرّ فقوله: مبينات بمعنى مبينات ما يلزم بيانه. قوله: (لأجله وفي شأنه) يعني أنّ اللام متعلقة بقال لا على أنها لام التبليغ بل لام العلة وما يقال في أمره وشأنه فهو مسوق لأجله وأمّا تعلقه بكفروا واللام بمعنى الباء، أو حمل على نقيضه وهو الإيمان فانه يتعدّى بها نحو أنؤمن لك، فبعيد عن السياق بمراحل، ومخالف للظاهر وإن ارتضاه المصنف في سورة سبأ. وقوله: (والمراد به) أي بالحق هنا، وقد جوّز في سبأ أن يراد به النبوّة أو الإسلام ووجه فيها كونه سحراً، وفيه وضع الظاهر موضع الضمير فيهما لما ذكر وقوله: (حينما جاءهم) أي في وقت مجيئه ويفهم منه في العرف المبادرة، ومثله يستلزم عدم التأمّل والتدبر كما أشار إليه المصنف. قوله: (إضراب الخ) يعني أم منقطعة مقدرة ببل الإضرابية، وهمزة الاستفهام المتجوّز به عن الإنكار والتعجب وهو ظاهر بلا كلام إنما الكلام في كون الافتراء أشنع من السحر، وليس وجهه كما توهم أنه لم يكن عندهم اسم ذم لأنه غير مناسب للمقام، فإنهم قصدوا ذمه وتحقيره بما ذكر بل لأنّ الكذب خصوصاً على الله متفق على قبحه حتى ترى كل أحد يشمئز من نسبته إليه بخلاف السحر، فإنه وإن قبح فليس بهذه المرتبة حتى تكاد تعد معرفته من السمات المرغوبة وقد يقال: هذا مراد القائل بما مرّ من أنه ليس باسم ذم، فلا يرد عليه اعتراض أو لأنّ قولهم إنه سحر مآله لعجزهم عنه، وهو يقتضي بالآخرة أنه صدق فكيف


الصفحة التالية
Icon