قلت: المعنى لتبعثن في الوقت الواسع الذي تقع فيه النفختان، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع، وهو وقت النفخة الأخرى ودل على ذلك أنّ قوله: تتبعها الرادفة جعل حالاً عن الراجفة، اه، وقيل عليه: إنّ الحال غير متعينه، وعلى تسليم التعين فالحال يجب مقارنتها لذي الحال وحدوث الرادفة بعد انقضاء ايراجفة لا يفيد كونهما في يوم واحد إذ لم يتقارنا فلا بد من جعلها حالاً مقدرة وحينئذ فلا تدل على ما ذكره، ولا يخفى أنه من قلة التدبر فإنه يريد أنهم جعلوا قوله: تتبعها حالاً والأصل فيها المقارنة فلو لم يقدر ذلك الوقت متسعا لما ذهبوا إليه من غير تأويل، وقد عرفت أن جعلها حالاً مقدرة حينئذ لا وجه له. قوله:
(من الوجيف) هو مصدر ومعناه وضعا شدة الاضطراب فلا يلد عليه أنه ليس في الكلام ما يدلّ على الشدة، وقوله: صفة لقلوب فهي مسوغة للابتداء به، وهو نكرة وأما كونه خبرا لأنّ تنوين قلوب للتنويع فمع إلباسه مخالف للظاهر في الابتداء بالنكرة وجعل تنوين التنويع كالوصف معنى تعسف، ولذا لم يلتفتوا له. قوله: (أبصار أصحابها) بتقدير المضاف لأنّ القلوب لا أبصار لها إلا أن تجعل بمعنى البصائر، وهو خلاف الظاهر أو هو تجوز في النسبة الإضافية لأدنى ملابسة فيكون جعل للقلوب أبصاراً ووصف الأبصار بالذل لظهور آثاره عليها، وقوله: ولذلك أي لأنّ المراد وصفها بالذل الناشئ من الخوف أضافها إلى القلوب التي هي محل الخوف ولا يضرّه تقدير المضاف فيه لأنه يكفي لمثله وقوعه كذلك بحسب الظاهر. قوله: (في الحالة الأولى) هو حاصل المعنى المراد منه يعني أنه لما أقسم على تحقق البعث، وقيام الساعة وبين ذلهم فيها وخوفهم ذكر إقرارهم بالبعث والمعاد، وردهم إلى الحياة بعد الموت فالاستفهام لاستغراب ما شاهدوه بعد الإنكار، وهذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانياً لما يقولونه إذ ذاك، وقوله: فحفرها بيان لوجه تسميتها حافرة بمعنى محفورة، ثم بين أنّ المراد بالحفر التأثير في الأرض على الاستعارة أو المجاز المرسل بإرادة المطلق من المقيد. قوله: (على النسبة) يعني أنّ حافرة بمعنى محفورة كراضية بمعنى مرضية لتأويله بذات حفر، وذو الشيء صادق بالفاعل والمفعول وهذا بناء على المعروف في أمثاله أو هو على التجوز في الإسناد على ما ارتضاه الخطيب، وقوله: تشبيه القابل بالفاعل هو على مذهب السكاكي من جعل أمثاله استعارة مكنية وتخييلية لأنه بمعنى الطريق وهي قابلة للحفر فشبه القابل للفعل بمن يفعله لتنزيله منزلته فالاستعارة في الضمير المستتر، واثبات الحافرية له تخييل على ما عرف من المذاهب فيه. قوله: (وقرئ في الحفرة (بفتح الحاء وكسر الفاء على أنه صفة مشبهة، وهي شاذة مروية عن أبي حيوة وابن أبي عبلة ومعنى حفرت أسنانه بالبناء للمجهول تغيرت وتآكلت، وقوله: فحفرت بصيغة المعلوم وكسر الفاء مطاوعه، وحفرا بفتحتين مصدره وهو دليل على أن الحافرة بمعنى المحفورة، وقوله: أئذا كنا الخ متعلق بمحذوف تقديره أنبعث ونحيا إذا الخ وقوله: على الخبر أي بدون أداة الاستفهام الإنشائي. قوله: (نخرة وهي أبلغ) قرأ الأخوان وأبو بكر ناخرة بألف والباقون نخرة بدونها كحاذر وحذر، وفعل أبلغ من فاعل وإن كانت حروفه أكثر وكثرة البنية لا
تدلّ على كثرة المعنى مطلقاً والنخر البالي ويكون بمعنى الأجوف البالي، ويصح أن يراد به ذلك هنا أيضا والقراءة الأخرى موافقة لرؤوس الآي ومن العجب ما قيل: إن ناخرة مغير من نخرة للفواصل فتتخذ القراءتان في إفادة المبالغة فإنه لا معنى له عند التحقيق. قوله: (ذات خسران الخ) قال الراغب: الخسر والخسران انتقاص رأس المال وينسب إلى الإنسان فيقال: خسر فلأن والى الفعل فيقال خسرت تجارته اهـ، هذه حقيقته والمراد بالفعل ما يتعلق بالمعاملة لا كل فعل كما فيما نحن فيه فجعل الكرّة خاسرة ليس حقيقة فهو إما للنسبة بمعنى ذات خسران على ما مرّ أو المراد خاسر صاحبها على تقدير المضاف، أو التجوّز في النسبة. قوله: (والمعنى الخ) أي إن صحت الرجعة إلى الحياة والبعث فنحن في خسر لتحقق ما أنكرناه وقوله: وهو استهزاء منهم أي قولهم: تلك إذن كرة خاسرة صدر منهم على وجه الاستهزاء، بالخسر حيث أبرزوا ما قطعوا بانتفائه واستحالته في صورة المشكوك المحتمل للوقوع. قوله: (متعلق بمحذوف) أي فيه مقدّر مرتبط به معنى أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة، فإنها هينة على قدرته فإنها صيحة واحدة فالمذكور


الصفحة التالية
Icon