بتشبيه السحابة المتوقع مطرها بالناقة العشراء القريب وضع حملها وهي استعارة لطيفة مع المناسبة التامّة بينه وبين ما قبله فإن السحب تنعقد على رؤوس الجبال، وترى عندها ولا ينافيه كونه مناسباً لما بعده على الأوّل فإنه معنى حقيقي مرجح بنفسه وتعطيلها على هذا مجاز أيضاً بمعنى عدم ارتقاب مطرها لأنهم في شغل عنه. قوله: (وقرئ بالتخفيف الم يذكر كونه مجهولاً أو معلوما وظاهره إنه مجهول كالقراءة المشهورة، وكذا هو مصرح به عن بعضهم إلا أن المعرب نقل عن الرازي في اللوامح إنه غلط، وأنما هو عطلت بفتحتين بمعنى تعطلت لأنّ تشديده للتعدية يقال: عطلت الشيء وأعطلته فعطل، وهذه القراءة مروية عن ابن كثير ولم يذكرها في النشر فكأنها لم تصح عنده، ثم إنه أجيب عما ذكر بأنه إذا صحت الرواية بالأول فيحتمل أنه ورد متعديا على أنّ فعلت بمعنى أفعلت أو هو على الحذف والإيصال كما قيل فليحرّر. قوله: (جمعت) فالحشر بمعناه اللغوي، وهو جمعها وليس هذا الجمع للحشر كما
قيل لأنه يكون مع ما بعده مكررا بل هو قبيل النفخة الأولى حين تخرج نار تفر الناس والأنعام منها حتى تجتمع. قوله: (أو بعثت للقصاص الأنه صح في الحديث أنّ الوحوس والطيور وسائر الحيوان تبعث، ويقتص لبعضها من بعض ولها من غيرها ثم تعود ترابا كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: يبقى منها ما يسرّ به الناس كالطيور المؤنسة المألوفة. قوله: (أو أميتت (هذا بناء على القول بأنها لا تحشر فإنها تفنى وهذا كناية عن العدل التامّ وأجحفت بتقديم الجيم على الحاء يعنى استأصلتهم، وأهلكتهم لا بمعنى أفقرتهم كما ترهم وتشديد حشرت للتكثير، وقوله: أحميت أي غاضت مياهها وظهرت النار في مكانها، ولذا ورد أنّ البحر غطاء جهنم، وقوله: بتفجير الخ أي تتصل وتصير بحرا واحدا، وقوله: من سجر التنور هو على الوجهين ولبعض المتأخرين هنا كلام رأينا تركه أهتم من تسويد وجه الصحف به. قوله: (قرنت بالآبدان الخ) على أن التزوي! بصعنى جعل الشيء زوجا أي مقارنا والنفوس على الأوّل بمعنى الأرواح وعلى ما بعده بمعنى الذوات، وقوله: ونفوس الكافرين الخ هذا في جهنم، وقوله: أو كل عطف على المستتر في قرنت للفصل، وقوله: بشكلها هو في الموقف فالأنبياء مع الأنبياء والأولياء مع الأولياء وهكذا. قوله: (لئد البنات) كتعد أي تقتلها بالدفن، وقوله: أو لحوق العار بالحاء المهملة والقاف مصدر لحق وما في بعض النسخ من ضبطه بلام جارة للخوف ضد إلا من تحريف لاحتياجه لتكلف بتقدير ما لا قرينة عليه، ولحوق العار بوطء الرجال لهن وهو من جهل الجاهلية والوأد القتل، وقيل: إنه مقلوب من آده بمعنى أثقله لأنها تثقل بالتراب، وهو قول لبعض أهل اللغة كما في درر المرتضى فلا وجه للاعتراض عليه بأنه ادعاء للقلب من غير داع له. قوله: (تبكيتاً لوائدها) التبكيت التوبيخ وأنما أوّله لأنه لا ذنب لها حتى تسأل عنه فكان الظاهر سؤال قاتلها لا لأنها صغيرة فإنها تحشر عاقلة وادّعا أنّ الأصل سئل عنها تكفف، والتبكيت قرره الطيبي بأن المجني عليه إذا سئل بمحضر الجاني ونسبت له
الجناية دون الجاتي بعث ذلك الجاني على التفكر في حاله وحال المجني عليه فيرى براء ساحته، وانه هو المستحق للعقاب والعذاب وهذا استدراج على طريق التعريض، وهو أبلغ ص التصريح والمراد بالاستدراح سلوك طريق توصل إلى المطلوب بسؤال غير المذنب ونسبة الذنب له حتى يبين من صدر عنه ذلك كما سئل عيسى دون الكفرة، وهو فن من البديع بديع. قوله (وقرئ سألت أي خاصمت) وسألت من الله أو من القاتل لها، وقوله: على الأخبار عنها على القراءتين فإنه لو لم يخبر عنها لقيل على القراءة الأولى قتلت بكسر التاء وعلى الثانية قتلت بضمها، وفي الكشاف نقلا عن ابن عباس أنّ هذه الآية دليل على أنّ أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بالذنب وإذا بكت الله الكافر ببراءة الموؤودة م! الذنب فما أقبح به وهو اك ي لا يظلم مثقال ذرة أن يكرّ عليها بعد هذا التبكيت ليفعل بها ما ينسى عنده فعل المبكت من العذاب الشديد السرمد انتهى، قيل: وهو استدلال بدلالة النص كدلالة منع التأفيف على منع الشتم، ونحوه وليس مبنيا على التحسين والتقبيح كما توهم وأجيب بمنع الدلالة لأنه لا يقابل حال الخالق بحال المخلوق، ولا يستقبح منه ما يستقبح منهم كما أنّ الذمي المخلد في النار يستحق قاتله الذم والعقاب، وفي الكشف بعد تسليم قاعد


الصفحة التالية
Icon