قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (١) أي كافيه، والحسب: الكافي، فإن كان مع هذا من أهل التقوى كانت له العاقبة الحميدة».
وذكرت الاستعانة بعد العبادة مع أن الاستعانة من العبادة من باب ذكر الخاص بعد العام، وتقديم حقه تعالى على حق عباده وحاجتهم، ومن باب تقديم الغاية المقصودة على الوسيلة، وتقديم الأهم على المهم.
والعبادة والاستعانة متلازمتان: فلا تحقق أحداهما دون الأخرى فالعبادة لا تتحقق بدون الاستعانة بالله، وعونه للعبد، ولا يحصل العون من الله بدون عبادته، وطلب العون منه (٢).
وبهما معًا يتحقق الإيمان فبالعبادة الخالصة لله براءة من الشرك، وبالاستعانة بالله دون سواء براءة من الحول والقوة، وتمام التفويض إلى الله - عز وجل - وهما كمال الطاعة وبهما تحصل السعادة الأبدية والنجاة من جميع الشرور.
قال ابن القيم (٣): «وتقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل، إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها، ولأن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾» متعلق بألوهيته
_________
(١) سورة الطلاق، الآية: ٣.
(٢) ولهذا قال الطبري ١: ١٦٣: «إنه يستوي تقديم أحدهما على الآخر».
(٣) ((في «مدارج السالكين» ١: ١٠٠ - ١٠٢، وانظر «التفسير» ص ٦٦ - ٦٨، «التفسير القيم» ص ٦٦ - ٦٨، «معالم التنزيل» ١: ٤١، «البحر المحيط» ١: ٢٥، «تفسير ابن كثير» ١: ٥٣.


الصفحة التالية
Icon