لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود عليه من إنفاقه إلا الندم والخسار والتعب والقلة.
﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ أيظن هذا أنه لا يراه أحد في تبذيره المال وصرفه فيما لا ينفع، وينسى أن عين الله عليه، وأن علمه محيط به.
فإن الإنسان قد يغتر بقوته ولا فضل له فيها، بل الله هو المنعم عليه بهذا القدر من القوة، وكل هذا تهديد للإنسان أن يتغطرس قال تعالى:
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ ذكر الله عز وجل هنا ثلاث نعم من أكبر النعم على الإنسان.
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ يعني: يبصر بهما ويرى، ومن هنا بدأ تعداد النعم العظيمة على الإنسان.
قرأ الفضيل بن عياض ليلة هذه الآية، فبكى فسئل عن بكائه، فقال: هل بت ليلة شاكرًا لله أن جعل لك عينين تبصر بهما؟ هل بت ليلة شاكرًا لله أن جعل لك لسانًا تنطق به؟ وجعل يعدد من هذا الضرب.
﴿وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ لسانًا: ينطق به، وشفتين: يضبط بهما النطق ويستعين بهما على الأكل والشرب.
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ أي: بَيَّنَا له طريق الخير، وطريق الشر.
وقيل: دللناه على ما به غذاؤه وهو الثديان؛ فإنهما نجدان لارتفاعهما فوق الصدر.
وبعد أن ذكر عز وجل هذه النعم على عباده، ذكر عز وجل عقبة كؤودًا هي التي تقف بينه وبين الجنة لو تخطاها لوصل، وهو مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس، والهوى والشيطان، حتى ينال رضا الرحمن.