يغيَّروا أُسْقُفٌّ عن اسقفيته ولا واهب من رهبانيتِه، ولا واقهاً من وقيهاه، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم دنيَّة ولا دَمَ جاهليةً ولا يُحْشُرُوْنَ ولا يُعْشرون ولا يَطأُ أرضهم جيشٌ، ومن سأل فيهم حَقًّا؛ فبينهم النَّصَفُ غير ظالمين ولا مظلومين بنجران، ومن أَكَلَ رِباً من ذي قَبَلٍ؛ فذمتي منهِ بريئة، ولا يؤخذ منهم رجلٌ بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله -عزّ وجلّ- وذمةُ محمد رسول الله - ﷺ - أبداً حتى يأتي الله بأمره، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلمٍ".
شهد أبو سفيان بن حَرْبٍ، وغيلانُ بن عَمْرٍو، ومالك بن عوف من بني نصرٍ، والأقرع بن حابسٍ الحنظليُّ، والمغيَرةُ وكتب. حتى إذا قبضوا كتابَهُمْ؛ انصرفوا إلى نَجْرَانَ، فتلقاهم الأسقُفُ ووجوه نجرانَ على مسيرةِ ليلةٍ من نجران، ومع الأسقف أخ له من أمه -وهو وابن عمِّه من النسب- يقال له: بشرُ بن معاوية؛ وكنيته: أبو علقمة، فَدَفَعَ الوفدُ كتابَ رسول الله - ﷺ - إلى الأسقُفِّ، فبينا هو يقرأهُ وأبو علقمة معه وهما يسيران؛ إذْ كبتَ ببشر ناقته، فتعس بشر، غير أنه لا يُكنِّي عن رسول الله - ﷺ -، فقال له الأسقف عند ذلك: قد والله تَعَّسْت نبياً مرسلاً، فقال بشر: لا جَرَمَ، والله لا أحلُّ عنها عَقْداً حتى آتيه، فضرب وجه ناقته نحو المدينة وثَنَى الأسقف ناقته عليه، فقال له: افهَمْ عني، إني إنما قلتُ هذا؛ لِيُبَلِّغَ عني العَرَبَ مخافة أن يرَوْا أنا أخذنا حقَّه أو رَضِينا نصرَتَهُ، أو بَخَعْنَا لهذا الرجل بما لم تبخع به العرب، ونحن أعَزُّهُمْ وأجمعهم داراً، فقال له بشرٌ: لا، والله لا أقبل ما خَرَجَ من رأسك أبداً، فضرب بشرٌ ناقته وهو مولي للأسقف ظهره، وهو يقول:
إليك تَعْدُوُ قَلِقاً وَضِيَنُها | معترضاً في بطنها جَنينُهَا |
حتى أتى النبي - ﷺ -، فأسلم ولم يزل مع النبي - ﷺ - حتى استُشهد أبو علقمة بْعدَ ذلك.