وإذا أفيق معلق؛ قال: فابتدرت عيناي، قال: "ما يبكيك يا ابن الخطاب؟! "، قلت: يا نبي الله! ومالي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله - ﷺ - وصفوته، وهذه خزانتك! فقال: "يا ابن الخطاب! ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ "، قلت: بلى، قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله! ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن؛ فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت -وأحمد الله- بكلام؛ إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية: آية التخيير: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ [التحريم: ٥] ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: ٤]. وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي - ﷺ -، فقلت: يا رسول الله! أطلقتهن؟ قال: "لا"، قلت: يا رسول الله! إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى، يقولون: طلق رسول الله - ﷺ - نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: "نعم؛ إن شئت"، فلم أزل أحدثه؛ حتى تخسر الغضب عن وجهه، وحتى كشر فضحك. وكان من أحسن الناس ثغراً. ثم نزل نبي الله - ﷺ - ونزلت، فنزلت أتشبت بالجذع ونزل رسول الله - ﷺ - كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده، فقلت: يا رسول الله! إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين، قال: "إن الشهر يكون تسعاً وعشرين"، فقمت على باب المسجد؛ فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله نساءه، ونزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾؛ فكنت


الصفحة التالية
Icon