على رأس جبل حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل؛ جعل يدعو عليهم، ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف به لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل، قال: فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع؟! نما تدعو لهم وتدعو علينا، قال: فهذا ما لا أملك، هذا شيء قد غلب الله عليه، قال: واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة؛ فلم يبق إلا المكر والحيلة؛ فسأمكر لكم وأحتال؛ جملوا النساء، وأعطوهن السلع، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها؛ فإنهم إن زنى منهم واحد كفيتموهم، ففعلوا، فلما دخل النساء العسكر؛ مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كستى ابنة صور -رأس أمته- برجل من عظماء بني إسرائيل، وهو زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فقام إليها فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها، ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى -عليه السلام-، فقال: إني أظنك ستقول هذه حرام عليك، فقال: أجل؛ هي حرام عليك لا تقربها، قال: فوالله لا أطيعك في هذا، فدخل بها قبته فوقع عليها، وأرسل الله الطاعون في بني إسرائيل، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى، وكان رجلاً قد أعطي بسطة في الخلق وقوة في البطش، وكان غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء والطاعون يجوس في بني إسرائيل، فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها، ثم دخل عليه القبة وهما متضاجعان، فانتظمهما بحربته، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء، والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته، وأسند الحربة إلى لحييه، وكان بكر العيزار، وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك؛ ورفع الطاعون، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون -فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص-؛ فوجدوا قد هلك منهم سبعون ألفاً، والمقلل يقول: عشرون ألفاً، في ساعة من النهار، فمن هنالك يعطي بنو


الصفحة التالية
Icon