يعبدون النيران أهل كفر وضلالة، لا يرضي الله ما يصنعون وليسوا على دين.
فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام؛ انصرف وانصرفت معه، ثم غدونا إليهم، فقالوا مثل ذلك وأحسن ولزمتهم، فقالوا لي: يا سلمان! إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع؛ فصلّ، ونم، وكل واشرب، قال: فاطلع الملك على صنيع ابنه فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم، فقال: يا هؤلاء! قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً، فعمدتم إلى ابني فأفسدتموه علي؛ قد أجلتكم ثلاثاً، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث؛ أحرقت عليكم برطيلكم هذا، فالحقوا ببلادكم؛ فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء، قالوا: نعم، ما تعمدنا مساءتك ولا أردنا إلا الخير، فكفّ ابنه عن إتيانهم، فقلت له: اتق الله؛ فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وأن أباك ونحن على غير دين؛ إنما هم عبدة النار لا يعبدون الله، فلا تبع آخرتك بدين غيرك.
قال يا سلمان: هو كما تقول، وإنما أتخلف عن القوم بُقياً عليهم، إن تبعت القوم؛ طلبني أبي في الجبل، وقد خرج في إتياني إياهم حتى طردهم، وقد أعرف أن الحق في أيديهم، فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه، فقالوا: يا سلمان! قد كنا نحذر مكان ما رأيت؛ فاتق الله -تعالى- واعلم أن الدين ما أوصيناك به، وأن هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله -تعالى- ولا يذكرونه، فلا يخدعنك أحد عن دينك، قلت: ما أنا بمفارقكم، قالوا: أنت لا تقدر أن تكون معنا؛ نحن نصوم النهار، ونقوم الليل، ونأكل عند السحر ما أصبنا، وأنت لا تستطيع ذلك، قال: فقلت: لا أفارقكم، قالوا: أنت أعلم، وقد أعلمناك حالنا، فإذا أتيت؛ فاطلب أحداً يكون معك، واحمل معك شيئاً تأكله؛ لا تستطيع ما نستطيع نحن، قال: ففعلت، فلقيت أخي فعرضت عليه، فأبى ثم أتيتهم يمشون وأمشي معهم، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل، فأتينا بيعة بالموصل، فلما دخلوا؛ احتفوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في


الصفحة التالية
Icon